دنيز ناتالي
منذ العام 2003، اعتُبِر الأكراد صانعي ملوك في العراق، إذ هم يؤدّون دوراً أساسياً في الحفاظ على لحمة البلاد، بينما يتفاوضون على المطالب القومية الكردية في بغداد. وقد أفادت حكومة إقليم كردستان من ضعف الحكومة المركزية ودستور عراقي يسوده الغموض والمناصب الرفيعة التي يتولاها الأكراد، لتثبيت مكانتها في دولة عراقية فدرالية. غير أن النفوذ الكردي النسبي في العراق تراجع مع مرور الوقت، إذ أصبحت المجموعات العربية أكثر تنظيماً وتمثيلاً في مختلف أنحاء البلاد. وإزاء انحسار التأثير الذي تجلّى بوضوح في نتائج الانتخابات البرلمانية في مارس/آذار 2010، أكّدت حكومة إقليم كردستان مجدداً التزامها "صوتاً كردياً واحداً في بغداد". ومثل هذه الاستراتيجية قد تُوحّد موقّتاً الأحزاب الكردية المُنقسمة، لكنّها تحدّ من فرص بناء ائتلاف ذي ديمومة وتولّد تحدّيات جديدة للمجموعات المعارضة داخل الإقليم الشمالي.
لقد سلّطت نتائج الانتخابات البرلمانية في مارس/آذار 2010 الضوء على نزعة في السياسة الكردية، وهي ترسّخ سلطة عائلة البرزاني على رأس الحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان. بيد أن النفوذ الكردي يتضاءل في العراق في شكل عام. فعدم التوازن في المقاعد التي حصل عليها كل من الحزبَين في القائمة الكردستانية – 30 مقعداً للحزب الديمقراطي الكردستاني و14 للاتحاد الوطني الكردستاني – إلى جانب التحدّيات التي تطرحها حركة التغيير المُعارِضة (حركة غوران التي فازت بثمانية مقاعد)، جعل الاتفاق الاستراتيجي الموقَّع بين الحزبَين في مايو/أيار 2006 ميتاً عملياً. صحيح أن الاتحاد الوطني الكردستاني فاز بخمسة مقاعد في كركوك ولايزال يتقاسم حصّة كبيرة، إنما غير معلومة، من موازنة حكومة إقليم كردستان، لكنّه يصبح أكثر فأكثر عبئاً على الحزب الديمقراطي الكردستاني كشريك له في حشد النفوذ. وفي الواقع، تحوّل اتفاق تقاسم السلطة ضمنياً إلى صفقة يتقبّل بموجبها الحزب الديمقراطي الكردستاني وجود الاتحاد الوطني الكردستاني، لكنه يستحوذ على حصّة الأسد في النفوذ والموارد والسلطة في الإقليم.
صحيح أن الحزب الديمقراطي الكردستاني رسّخ سلطته في أربيل، لكن الأكراد خسروا النفوذ في الدولة العراقية. فقد تراجع تمثيلهم في البرلمان العراقي من 58 إلى 57 مقعداً، مع العلم بأن عدد المقاعد الإجمالي ازداد من 275 إلى 325؛ كما أنّهم خسروا مقاعد في مجالس محلّية هامة. فضلاً عن ذلك، خسرت حكومة إقليم كردستان سلطة النقض من خلال مجلس الرئاسة، ولاسيما من خلال الرئيس العراقي وزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني جلال طالباني. وحتى لو أعيد انتخاب طالباني رئيساً، بموجب الدستور، سوف يكون دور الرئيس في الحكومة العراقية المُقبلة شكلياً إلى حد كبير، ماسيعزّز أكثر فأكثر سلطة رئيس الوزراء الذي من غير المرجّح أن يكون كردياً. كما أن الأكراد لايتمتّعون بسلطة نقض إقليمية. فعلى الرغم من أن الدستور ينصّ على أنه يمكن رفض التعديلات الدستورية بغالبية محافظتَين، ليس هناك حتى الآن قانون أو مجلس إقليمي لوضع حق النقض هذا حيز التنفيذ.
لهذه التطورات تداعيات على الإمكانات المتاحة أمام الأكراد ليكونوا شركاء في الاتئلاف في بغداد. فانطلاقاً من الاعتماد الاقتصادي الحالي على بغداد، والمصالح المالية المُكتسبة في القطاع النفطي، والمطالب القومية العالقة، سيحاول الأكراد التفاوض مع الأحزاب العراقية المتعنّتة، تماماً كما يفعلون منذ انتخابات 2005. على الأرجح أن حكومة إقليم كردستان سوف تستمرّ في استعمال الدستور العراقي أساساً لتقسيم الأراضي أو ترسيم الحدود والنطاق الإداري للمناطق المتنازع عليها. فضلاً عن ذلك، نظراً إلى سعي جميع الأفرقاء إلى تشكيل حكومة ضمن المهلة المحدّدة، وبما أنّه من المستبعد أن يتحالف حزب دولة القانون بزعامة المالكي مع القائمة العراقية، وانطلاقاً من توزيع المقاعد الإجمالي في بغداد – حيث لا يفوز أي حزب بأكثر من 91 مقعداً – الأكراد هم في موقع جيّد يخوّلهم أن يصبحوا جزءاً من حكومة ائتلافية عراقية أكبر.
في الواقع، إنهم مستعدّون حالياً للانضمام إلى ائتلاف دولة القانون أو أي مجموعة أخرى تعد بالاعتراف بحقوقهم الوطنية في الدولة العراقية. ومع ذلك، يعي الأكراد العوائق التي تعترض طريقهم، وقد تبنّوا إجراءات جديدة لتعزيز قوتهم التفاوضية في بغداد. فقد وضعوا بقيادة مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان والحزب الديمقراطي الكردستاني، "خريطة طريق إلى بغداد" هي بمثابة الدليل حول المقاربة التي يجب أن يعتمدوها في التعاطي مع الحكومة المركزية. وفي حين تملك اللوائح الكردية أو المجموعات السياسية الأربع (القائمة الكردستانية وحزب التغيير والاتحاد الإسلامي والحركة الإسلامية)، التي اندمجت في ائتلاف كردستاني واحد، الحرّية لإنشاء تحالفات مع مجموعات أخرى حول المسائل غير الوطنية، يُشترَط عليها للقيام بذلك عدم تعارض الائتلاف مع خريطة الطريق. وهكذا تلتزم اللوائح الكردية العمل معاً حول المسائل الوطنية الأساسية: الدستور والموازنة والبشمركة وقانون الهيدروكربونات وكركوك والأراضي المتنازَع عليها. وبما أن هذه اللوائح تمثّل إقليم كردستان وتشكّل جزءاً من الائتلاف، تخضع إلى المساءلة أمام البرلمان الكردستاني ومسعود البرزاني حول أفعالها وأنماط التصويت التي تعتمدها في بغداد، حتى لو كانت تمثّل مجموعات معارِضة في إربيل.
على الرغم من الجهود التي يبذلها الأكراد ليكونوا كتلة قومية موحَّدة، لا يزال عليهم ترتيب بيتهم الداخلي قبل أن يتمكّنوا من المشاركة في ائتلاف مجدٍ ومستدام. فهناك مسائل عالقة بين حزب التغيير من جهة وبين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة أخرى. وقد أشار حزب التغيير إلى أنه "لايستطيع أن يكون أخاً كردياً في بغداد إذا كان يُنظَر إليه بأنه عدو في إربيل". ولاتزال هناك خلافات بين الأحزاب حول قانون الهيدروكربونات، وكركوك، ورئاسة الائتلاف الكردي والعراق. ففي حين يريد الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني السيطرة على الائتلاف الكردي والإبقاء على قيادة طالباني للبلاد، يطالب حزب التغيير بأن تكون رئاسة الائتلاف مداورة، ويرفض أن يكون طالباني رئيساً للعراق. لكنّ حزب التغيير يواجه تحدّياته الخاصة على مشارف انتخابات المجالس المحلية في إقليم كردستان المزمع إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول 2010 وإزاء الانتقادات التي يتعرّض لها من بعض مؤيّديه بأنه باع نفسه إلى القائمة الكردستانية. يتعيّن على الحركة المعارِضة أن تثبت التزامها القومية الكردية بينما تحافظ على تمايزها عن الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
وفيما لم تُحسَم بعد نتائج الانتخابات النهائية، سوف يستمرّ الأكراد في المناورة للحصول على السلطة والتأثير في بغداد، عبر السعي إلى بناء تحالفات مع الأحزاب العراقية، ظناً منهم أنها تمنحهم حداً أدنى من الاستقلال الذاتي الكردي في الحكومة العراقية المقبلة. غير أن تركيز الأكراد قصير النظر على تأمين مصالحهم القومية يوجّه أولاً رسالة مذهبية واضحة قد تُنفِّر الحلفاء المحتملين غير الأكراد. كما أنّه يبالغ في تقدير الاستقلال الذاتي الكردي في العراق، ويسلّط الضوء على الاختناقات السياسية التي يُرجَّح أن تستمرّ بعد تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.
*مديرة مركز الأبحاث في الجامعة الأميركية في العراق-السليمانية، ومؤلّفة كتاب "شبه الدولة الكردية: التنمية والتبعية في العراق بعد حرب الخليج" (مطبعة جامعة سيراكوز، يوليو/تموز 2010). The Kurdish Quasi-State: Development and Dependency in Post-Gulf War Iraq
المصدر : نشرة الاصلاح العربي
0 كۆمێنت:
إرسال تعليق