د. ده رباز محمد(*)
بعد تحرير العراق في ربيع
عام 2003، ومرور تسع سنوات على عراق ما بعد صدام، حرى بنا أن نطرح التساؤل الحساس،
الى اين يتجه العراق ؟ الى عراق ديمقراطي، تشارك مكوناته المختلفة في ادارته،
فتكون الحريات العامة وحقوق المواطنة متساوية و مصانة، أم نحو عراق يحكمه الشيعة
فقط، وفي الطائفة الشيعية، زمرة باسم دولة القانون، يحكمون قبضتهم على المؤسسات
المهمة للدولة.
ان الاحداث التي مر بها العراق في الشهور الاخيرة، التي تزامنت وأعقبت
الانسحاب الامريكي، من مطالبة المحافظات ذات الغالبية السنية بتشكيل اقاليم
فيدرالية وفق اسس دستورية وقانونية، والتي وقف المالكي ضدها بشدة، مستغلاً نفوذه
وهيمنته على مفاصل الحكومة، لاجهاض هذه المحاولة الدستورية من قبل السنة.
وكذلك استفحال قضية الهاشمي، وكأنه لم تبق في العراق قضية قضائية غير
محسومة الا قضية الهاشمي، وأنا هنا لا ادافع عن الهاشمي، أو أي شخص آخر مطلوب
للقضاء، ولكن هناك العديد من القضايا القانونية الاخرى، لم تبت فيها المحاكم
العراقية، كاتهام الصدريين بمقتل الامام الخوئي، وقضية البرلماني السابق محمد
الدايني، وملفات الفساد المتهم فيها وزير الكهرباء السابق.. وغيرها.
بالإضافة الى استبعاد نائبه صالح المطلك، عن ممارسة مهامه، في منصبه الذي
تسنمه، كجزء من التوافق السياسي المتبع حالياً في تشكيل مؤسسات الحكم.
وفي الوقت ذاته، كان لردود افعال رئيس اقليم كوردستان، إزاء سياسات
المالكي، لاسيما فيما يتعلق بالعقود النفطية الخاصة بالشركات المتعاقدة مع اقليم
كوردستان، ومن ضمنها عقود شركة اكسون موبيل العملاقة في مجال الطاقة، والذي بنى
عليه الاقليم، وعلى وجه الدقة، الحزب الديمقراطي الكوردستاني، الكثير من الآمال،
لربط مصالح الشركات الكبرى بالضروف السياسية لاقليم كوردستان، كمحاولة لوضع
الاقليم على خارطة الطاقة العالمية.
أي ان العراق، يعاني في الوقت الحالي، من مشاكل ستراتيجية وحساسة، تمس
بنيته ووحدته، أكثر من اي وقت مضى، ويدرك مجمل القوى السياسية غير الشيعية، أن ما
يدور في العراق، هو تطبيق عملي لممارسة نفوذ الشيعة في العراق، مدعوماً بالجمهورية
الاسلامية في ايران عن طريق المالكي، الذي يتمتع بمعظم السلطات السياسية والعسكرية
والامنية، وحتى الاقتصادية.
فإلى اين يخطو العراق خطواته؟ نحو قبول تفرد المالكي وهيمنة الشيعة عن
طريقه، أم أن السنة العرب والكورد، سوف يقفون بوجه هيمنة الشيعة وتنامي نفوذ
المالكي ويوقفونه عند حده ؟
في حالة قبول الفرضية الاولى، ربما يكون الوضع بالنسبة للكورد، الذي يتمتمع
بسلطات ادارية وأمنية واسعة في مناطقه، مقبولاً الى حدٍ ما. ولكن من الصعب، او
بالآحرى من المستحيل، على العرب السنة، القبول بالتهميش والاقصاء الى النهاية.
ولكن ما هي اوراق الضغط التي تسحبها السنة؟ فقد سحبت ورقة تشكيل الاقاليم
اسوة باقليم كوردستان، وتم اجهاض الطلب من قبل المالكي، حتى قبل ان يولد.
حالياً تعد ورقة الكورد، وشخص رئيس الاقليم، من احسن الفرص لعودة العرب
السنة، ولو الى زاوية من زوايا المسرح السياسي في حكم العراق، ولكن هذه الورقة
ايضاً، لايعول عليها كثيراً، وذلك لقوة النفوذ الايراني في اقليم كوردستان وحدة
المشاكل المستعصية بين رموز القائمة العراقية والكورد، المتمثلة في الصراع على
الارض الغنية بالنفط، في مناطق نينوى وكركوك وصلاح الدين وديالى. اضافة الى ان
الكورد ليسوا طرفاً اساسياً في الصراع بقدر ما هم جزء منها. لأنهم يتمتعون بإدارة
مناطقهم، ويحصلون سنوياً على ميزانية كبيرة، لا يمكن الاستغناء عنها، لربطه
المباشر، ليس بحياة المواطنين فحسب، بل في رفد الاحزاب المتنفذة بموراد عيشها
ايضاً.
يبقى الرهان على الوضع الاقليمي، كبريق أمل لعودة مشاركة السنة في ادارة
العراق، وذلك بتحجيم النفوذ الايراني في سوريا ولبنان، بعد الاطاحة بنظام الاسد
المتحالف مع ايران، وظهور طبقة حاكمة في سوريا، يكون الغلبة فيها للسنة. ونشوء سند
ستراتيجي جديد للعرب السنة في العراق، وذلك بتكملة الهلال الداعم لهم، المتمثل
بتركيا وسوريا والأردن والسعودية، الذي يجاور كل منها مناطق تواجد العرب السنة في
العراق.
باعتقادنا، من الصعب ان يستمر العراق بواقعه السياسي المتأزم، واستحواذ
مكون معين على السلطة وتهميش المكونات الاخرى، لاسيما العرب السنة، كإعادة
لسيناريو زمن صدام، الذي كان مصيره الفناء لنفسه والدمار للعراق ولشعبه.
اذا كان مظالم صدام ومن قبله، قد جمع الكورد والشيعة في تحالف سياسي لحكم
العراق، ليس من المستبعد أن تؤول غطرسة المالكي وهيمنة الشيعة، الى تقارب الكورد
والسنة، للاطاحة بالمالكي، لا لإنهاء ثقل الشيعة في الحكم، لأنهم يشكلون اكثر من
نصف الشعب ومجلسه المنتخب.
الا ان ما حير ويحير الساسة الكورد والعرب السنة، هو عدم وجود بديل للمالكي
داخل البيت الشيعي، يكون متفهماً لشراكة حقيقية بين المكونات الثلاث. لأن المالكي،
كان ولا يزال، لاعباً سياسياً ماهراً، في الاستحواذ على الحكم، فهو من جهة، يسيطر
على القوة العسكرية والأمنية، ومن جهة اخرى، لعب لعبته الانتخابية بجدارة،
بخطاباته الاعلامية الممزوجة بين المدنية وحكم المؤسسات، والمطعمة بنكهة العسكرة،
الذي عاش الشعب العراقي في ظله عقوداً طويلة، ويؤمن شرائح واسعة بضرورة وجود قائد
حازم وجريء لقيادة العراق. كما انه استطاع ان يقنع الامريكان والايرانيين، العدوين
اللدودين، على انه رجل الضرورة، علة الاقل في المرحلة الحالية.
إذاً العراق الى اين ؟ نحو انتاج صدام آخر، بنمط جديد وآليات مختلفة، أم أن
الدولة التي تشكلت من ثلاث مكونات متباينة ومتناحرة في عشرينات القرن الماضي، من
قبل البريطانيين، لضمان هيمنة السنة على بلاد الرافدين، سوف يقسم الى ثلاث دول في
عشرينات هذا القرن، من قبل الامريكان، لضمان عدم هيمنة الشيعة علي كافة اراضيها.
(*) مدرس جامعي و باحث في الجغرافية السياسية
0 كۆمێنت:
إرسال تعليق