بعد مطالعة عميقة و متابعة دقيقة لمراكز الدراسات الأمريكية و الاعلام الغربي بالاضافة الى المنشورات الرسمية الأمريكية فيما يتعلّق بالمعضلة النووية الايرانية و الخيار العسكري توصّلنا الى ابرز السيناريوهات المطروحة و التي من الممكن ان يتم اللجوء الى احداها عند تنفيذ أي ضربة عسكرية لايران و هي على الشكل التالي:
أولا: سيناريو TIRANNT الخاص بالبنتاغون
TIRANNT هو الاسم الكودي الذي يرمز الى العملية المعروفة باسم " Theater Iran Near Term", و هي عبارة عن خطّة وضعها البنتاغون في ايار من العام 2003, حيث أعدّ جنرالات ورجال استخبارات متقاعدون هذه الخطّة تحسبا لامكانية مواجهة ايران.
فقد شرع الجيش الأميركي حينها في إجراء تحليل حول إمكانية الدخول في حرب شاملة مع إيران أطلق عليه TIRANNT، وتعني "المسرح الإيراني على المدى القصير"،و ترافق التحليل المذكور مع وضع سيناريو تجريبي لغزو تقوم به فيالق من "المارينز" لإيران، فضلا عن وضع نموذج يحاكي قوة إيران الصاروخية.
و تقوم هذه الخطّة بالاساس و التي كانت مجلّة "أتلانتك" اوّل من نشر معلومات دقيقة عنها في كانون اول من العام 2004
على ثلاث مراحل اساسية المرحلة هي:
1- الاولى تتمثل في ضرب معسكرات الحرس الثوري التي قالت الاستخبارات الاميركية انها تعرف مواقعهم, يليه اصدار بيان تبريري "لتدخّل الحرس الثوري في الشؤون العراقية".
2- المرحلة الثانية تتمثل في ضرب المفاعلات النووية عبر القصوف الجوي بطائرات "ستيلث" الشبح, و بصواريخ كرزو من البحر لتشمل 300 موقع، منها 125 موقعا لها صلة بالاسلحة النووية والكيماوية والجرثومية. على ان يتم ذلك بعد الاعلان عن انّ ايران تحدت الرأي العام العالمي فيما يتعلق ببرنامجها النووي, و لم تنفذ مطالب المجتمع الدولي.
3- المرحلة الثالثة تتمثل في ارسال قوات من الخليج والعراق واذربيجان وجورجيا و افغانستان لتحويل انظار الايرانيين وتطويقهم. ثم الزحف نحو ضواحي العاصمة طهران الذي قدر المسؤولون انه قد يستغرق نحو اسبوعين, على ان لا تتضمن الخطة دخول طهران.
وقد تم تجريب الخطة من خلال المناورات العسكرية المشتركة بين القوات الأميركية والبريطانية على ضفاف بحر قزوين آنذاك. وخلال تلك المناورات لعب بوش دور القائد الأعلى للقوات الذي سيأمر بشن ضربة ضد المنشآت النووية الإيرانية.و بما انّ هذه الخطّة تقوم اساسا على عملية غزو برّي, فانّه يتم تحديثها بشكل دوري لتتلاءم مع التطورات الحاصلة في المنطقة, و قد قام البنتاغون بآخر تحديث لها في العام 2006 مركّزا على جانب القصف الجوي و العمليات الهجومية غير البريّة.
يقول "وليام آركين" المتخصص في الشؤون العسكرية في تقرير له نشر في الواشنطن بوست في نيسان من العام 2006: " ومنذ العام 2003 و الخطة تخضع لمراجعة دورية وتعديلات أساسية في ضوء المعلومات الجديدة حول أداء القوات الأميركية بعد الحرب على العراق. وبينما عكف مخططو القوات الجوية على صياغة خطط لغارات جوية تنفذ ضد قوات الدفاع الجوي الإيرانية، قام المخططون في البحرية الأميركية بتقييم الدفاعات الساحلية لإيران ووضع السيناريوهات اللازمة للسيطرة على مضيق هرمز في الخليج العربي.
وقد تم وضع تقييمات دقيقة للسيناريوهات المختلفة التي تضمنتها الخطة العسكرية ضد إيران الرامية إلى تحديد الخيارات المحتملة للقوات الأميركية في حال شن حرب على إيران. وحسب مصادر عسكرية فقد عهد بهذه المهمة إلى الجنرال جون أبي زيد.
و من جانبها ركزت قوات مشاة البحرية الأميركية "المارينز" اهتمامها على تخصصها الأصيل المتمثل في "الاجتياح عن طريق البحر".
ففي أبريل 2003 نشرت قوات "المارينز" وثيقة سميت بـ"مفهوم العمليات" تشرح تفاصيل مناورة عسكرية ضد دولة وهمية، وتهدف أيضا إلى دراسة إمكانية نقل القوات من السفن والبوارج الحربية إلى السواحل لمواجهة عدو ما دون إقامة قواعد على السواحل.
ورغم أن المناورات لم تسمِّ الدولة العدو بالتحديد واقتصرت على نعتها بدولة دينية ثورية اسمها "كارونا" تمتلك أسلحة دمار شامل، فإن الدولة المقصودة بدون شك هي إيران. بالإضافة إلى ذلك تم وضع دراسة أخرى ترمي إلى تقييم القدرات الإيرانية في مجال الصواريخ انطلقت في 2004 وتعرف باسم BMD-I.
وفي هذه الدراسة قام مركز التحليل التابع للجيش الأميركي بتقييم أداء أنظمة الصواريخ الإيرانية و الأميركية وتحديد عدد الصواريخ التي يمكن لإيران أن تطلقها في حالة المواجهة العسكرية .
ثانيا: سيناريو (CSIS) العسكري
قام "انتوني كوردسمان" الخبير في الشؤون الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية و الدولية (CSIS) بطرح سيناريوهات متعددة لضربة امريكية محتملة لايران في حال فشل الحلول الدبلوماسية و وجود نيّة لدى الادارة الأمريكية بحسم المسألة عسكريا و ذلك في دراسة من 53 صفحة و تمّ نشرها في 7 نيسان/مايو 2006 بعنوان "اسلحة ايران النووية؟ الخيارات المتاحة اذا فشلت الدبلوماسية" .
من بين الخمس سيناريوهات التي طرحها سنتختار عرض سيناريو الضربة الأمريكية المحدودة لايران و هو الذي اعاد طرحه مع بعض التعديلات في تقرير له من 19 صفحة صدر مؤخرا في تاريخ 5 آذار 2007 بعنوان "الهجمات العسكري الاسرائيلية و الأمريكية على ايران: تحليل تخميني".يفترض هذا السيناريو للهجوم المحدود ان يتم استخدام من 15 الى 20 صاروخ كروز بالاضافة الى حوالي 100 غارة قد تتم عبر الجمع بين طائرات B-2s القاذفة و الطائرات المتمركزة على حاملات الطائرات في المنطقة الى جانب صواريخ كروز المنطلقة من البحر, و على ان يكون هناك ضرورة لاستخدام القواعد الأرضيّة في الخليج من اجل اعادة تنظيم الهجمات, التزود بالوقود و الانطلاق. (بعض السيناريوهات التي طرحت مؤخرا تقترح التزود بالوقود من البحر) وفقا لهذا السيناريو الذي طرحه كوردسمان,
سيتم استهداف:
1- اثنان من أصل ثلاثة على الأقل , من المنشآت الرئيسية و الحيوية الأكثر قيمة من أجل تدميرهم و الحاق الضرر بهم بشكل كبير.
2- ضرب اهداف ذات قيمة عالية و تمّ الاضطلاع على أنشطتها من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذريّة و الثلاثي الأوروبي, و ذلك لاظهار الجديّة في التعامل للجانب الايراني و لتقليل الانتقاد الدولي.
3- امكانية ضرب بعض المواقع و النشاطات الجديدة و ذلك لاعلام ايران أنّه لا يمكنها الاستمرار بمواصلة جهودها سرّا أو توسيع نطاقها متجاهلة الثلاثي الأوروبي و الأمم المتّحدة.الاستهداف المباشر يجب ان يحتوي على قوّة هجومية كبيرة بالاضافة الى غارات متعدّدة و متتالية لتكون فعّالة.
و لا شكّ انّ حجم الضرر و نتئاجه سيعتمد بشكل اساسي على نوعية الأسلحة المستخدمة و دقّة الاصابات في ضرب الاهداف و قوّتها. مثل هذه الضربة سيكون الهدف منها ارسال رسائل اكثر منه تدمير قدرات ايران و شلّها لانّ القاعدة التكنولوجية الايرانية ستتمكن من النجاة كما بالنسبة للعديد من التجهيزات ذات الشأن, نظرا لنوع الضربة الاستعراضي.بالنسبة الى ردود الفعل الدوليّة, فيتوقع هذا السيناريو انها ستكون مشكلة كبيرة. فالولايات المتّحدة ستواجه نفس المستوى من المشاكل السياسية التي كانت ستواجهها في حال شنّها لهجوم كبير على ايران.
لذلك يعيد كوردسمان التأكيد على انّ يتم اتباع هذا الهجوم المحدود بهجوم رئيسي كاسح في حال عدم استجابة ايران للسيناريو الاول
على ان يشمل السيناريو الكاسح الخطوات التالية:
1- استخدام عدد كبير من اسراب الطائرات المتاحة لاستهداف كل المواقع و المنشآت النووية و المرافق الأساسية و الثانوية التابعة لها.
2- استهداف الوسائل الدفاعية الايرانية و مواقع الصواريخ التي تشكل تهديدا للغارات و الطائرات.
3- استهداف مواقع عسكرية و مدنية ذات صلة بالبرنامج النووي الايراني.4- استخدام السلاح النووي و الصواريخ العابرة للقارات خاصة اذا حاولت ايران استخدام أي من اسلح الدمار الشامل او الأسلحة البيولوجية و الكيماوية.و يحتاج هذا السيناريو الرئيسي الى استخدام خوالي 2500 صاروخ كروز و يحتاج الى ما بين ثلاث الى عشرة ايام مع امكانية امتداده اكثر وفقا للنتائج المترتبة و ردود الأفعال.
ثالثا: سيناريو (O.R.G.) العسكري
قام "بول روجيرز" الخبير والمستشار في "مجموعة اكسفورد البحثيّة" بتقديم دراسة له في منتصف شهر شباط/فبراير من العام 2006يتحدّث عن الموضوع و طبيعة العمل العسكري ضدّ ايران. و في هذا الاطار فانّ السيناريو الذي تحدّث عنه يقول انّه سيكون هناك هدفَيْن أساسيّين للقيام بعمل عسكري ضدّ المنشآت النووية الايرانية.
1- التخريب الكلّي للبرنامج النووي الايراني لدرجة انّ أي خطّة لانتاج أسلحة نووية ايرانية ستتأخر نتيجة للضربة خمس سنوات على الأقل و ربما أكثر من ذلك أيضا.
2- امّا الثاني فيهدف الى اظهار انّ الولايات المتّحدة مستعدّة بشكل واضح للقيام بعمل عسكري وقائي كبير في هذا الاطار, و ستلجأ الى تطبيقها ضدّ اية نشاطات او اعمال ايرانية اخرى قد ترى أنّها غير مقبولة.
و وفقا للسيناريو, فانّ الهجوم على المنشآت النووية سيتم تنفيذه بشكل شبه كامل عبر القوّة الجوّية و البحريّة تتضمّن عنصرا قوّيا من المباغتة و المفاجأة فيما يتعلّق باستهداف البنى التحتيّة النووية الايرانية الرئيسية و نظام الدفاع الجوي خلال ساعات و ذلك عبر مئات التشكيلات الجوّية المدعومة بغارات صاروخيّة جوّية اخرى, و طائرات استطلاع لاخماد الدفاعات و ذلك عبر هجمات و غارات بحوالي أكثر من 200 صاروخ كروز.
و ليكون لهذا الهجوم تأثير كبير, فانّه سيتم بشكل مفاجئ و سريع عبر استخدام مطارات القواعد العسكرية في المنطقة, ضربات جويّة بعيدة يتم ادارتها من الولايات المتّحدة و المملكة المتّحدة و دييغو غارسيا, بالاضافة الى ضربات بحرية عبر حاملات الطائرات و صواريخ كروز المنطلقة من البحر. الهجمات الجوّية على المنشآت النووية الايرانية ستتضمّن تدمير المنشآت في مفاعل طهران للأبحاث, منشآت انتاج النظائر المشّعة, عددا من المختبرات ذات العلاقة بالانشطة النووية, و شركة كايالا للكهرباء, مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية الى جانب سلسلة من المفاعلات الاختبارية, منشآت تحويل اليورانيوم, مختبرات صنع الوقود, و كذلك استهداف محطّات تخصيب اليورانيوم في ناتانز و آراك مفاعل بوشهر النووي الجديد البالغة قوّته حوالي 1000 ميغاوات و الذي سينتهي العمل به قريبا (تمّ تعليقه الآن), الامر الذي سيسبب مشكلة حالما يتم تزويد المفاعل بالوقود بشكل كامل في وقت ما من العام 2007, و ذلك لأنّ أي تدمير لمنشآت الاحتواء و منع الانتشار من الممكن أن يؤدي الى مشاكل حقيقية فيما يتعلق بانتشار الاشعاعات التي لن تصيب ساحل الخليج الايراني فقط و انما سواحل غرب الخليج في الكويت, العربية السعودية, البحرين, قطر و الامارات العربية المتحدة, بالاضافة الى الآثار السلبية و النتائج الكارثية على الصعيد البشري لاحتواء المنطقة على أضخم منشآت انتاج النفط في العالم.
يفترض السيناريو أنّ كل هذه الهجمات الأوّلية ستتم تقريبا في وقت واحد و ذلك لقتل أكبر عدد ممكن من الموظفين التقنيين المحتملين من اجل احداث أكبر ضر ممكن على المدى البعيد. كما قد تشمل الهجمات في حال كانت موسّعة, ضربات لمراكز القيادة و التحكّم و قواعد الحرس الثوري الايراني القريبة من الحدود مع العراق و ساحل الخليج بعد ان يتم شل الدفاعات الايرانية المتنوعة بداية.
و استنادا الى السيناريو, فانّه و بعد اجراء تقييم سريع للأضرار الناجمة عن القصف, سيتم فيما بعد تحديد أهداف رئيسية أخرى في الأيام القادمة بالتوازي مع الهجمات على الأهداف الأقل أهميّة. و قد تحتاج القوات الأمريكية الى فترة 4 أو 5 أيام من هذا العمل العسكري المكثّف و قد يمتد الى عدّة أيام أخرى اعتمادا على الردود الايرانية.
رابعا: سيناريو "جورج الكبير"
هو سيناريو عسكري نشر في نيسان 2006 و قام بطرحه "توم ماكلنيرني" الفريق المتقاعد في سلاح الجو للجيش الأمريكي, و الذي ساعد في التخطيط لعمليات القصف الجوي التي طالت العراق في العام 1991.السيناريو المطروح يقترح قيام الولايات المتّحدة باستهداف 1000 موقع في ايران عبر 15 طائرة B2 stealth القاذفة للقنابل المتمركزة في الولايات المتّحدة يساندها 45 طائرة اخرى من نوع F117s و F-22s المتمركزة في المنطقة لتقوم بالهجمات الأولى لتدمير الرادارات الايرانية البعيدة المدى و الدفاعات الايرانية الاستراتيجية.
بعد ذلك يتم شن موجات متعددة من الغارات عبر طائرات F-18s التي تنتطلق من حاملات الطائرات, و عبر طائرات F-15s و F-16s التي تنطلق من القواعد الأرضيّة في العراق, الكويت, الامارات, قطر, البحرين و أفغانستان لقصف مواقع المنشآت النووية الايرانية المعروفة.بالاضافة الى ذلك, ينص سيناريو "جورج الكبير" على استهداف مراكز القيادة و التحكّم الايرانية, مراكز و قواعد الحرس الثوري الايراني, مواقع بعض رجال الدين الرئيسيين, و بعض المواقع الحسّاسة الأخرى للنظام الايراني على أمل ان يؤدي ذلك الى ثورة ضدّ النظام أو الى قيام مجموعة معارضات داخلية قوية.
بالنسبة الى المدّة الزمنية التي سيستغرقها هذا الهجوم و النتائج التي سيحققها, يقول "توم ماكلنيرني" انّه يمكن تنفيذ هذا السيناريو و هذه الضربة الهائلة خلال يومين فقط, و يؤكّد قدرتها على تدمير امكانيات ايران النووية لحوالي 5 سنوات قادمة, و هو يعتبر انّ القاذفات و الطائرات المقاتلة الامريكية المجهّزة بقنابل خارقة للتحصينات ستكون أكثر من كافية "لمحو" منشآت ايران النووية و الصاروخية.
يقترح "توم ماكلنيرني" أيضا, انّه و في حال كان تركيز الادارة الأمريكية على استهداف منشآت و مواقع ايران النووية و الصاروخية فقط, فانّه يجب اتّباع سيناريو آخر و خطّة بديلة يسمّيها "Big Rummy" .و وفقا لهذه الخطّة البديلة, فانّه سيتم تخفيض عدد المواقع المستهدفة الى 500 هدف عالي القيمة على ان تتم هذه الهجمات في يوم واحد فقط.
خامسا: سيناريو نهاية "صيف من الدبلوماسية"
يعدّ من احدث السيناريوهات المطروحة . فقد قامت "مؤّسسة القرن" الأمريكية, و هي مركز دراسات غير ربحي مهم تأسّس في العام 1919 بنشر دراسة مهمة جدا في 18 أيلول/سبتمبر من العام 2006 بعنوان: "نهاية صيف من الدبلوماسية: تقييم الخيارات العسكرية الأمريكية على ايران".يطرح التقرير الواقع في 26 صفحة و الذي اعدّه الكولونيل المتقاعد في القوات المسلّحة الجويّة الأمريكية سام غاردينر و المحاضر في الكليّة القوميّة الحربية- كليّة الحرب الجويّة و كليّة الحرب البحريّة- و الذي اشرف على عدد كبير من المناورات العسكرية سابقا, سيناريو جدير بالاهتمام يشترك مع السيناريوهات أعلاه في كون العمود الفقري للعملية العسكرية الأمريكية على ايران يكمن في الهجمات الجويّة و الصاروخيّة.
لكنّ ما يميّزه عن السيناريوهات السابقة هو تناوله لمسألة امكانية استغلال هذه الهجمات الجويّة للاطاحة بالنظام الايراني و اغتيال عدد من الشخصيات الايرانية البارزة خلال الغارات.يعتقد الكولونيل سام انّ الخيار الدبلوماسي هو الحل الوحيد و الأنجع للأزمة النووية الايرانية, و لكنّه ينقل في تقريره كيف انّ هناك بعض المسؤولين في ادارة بوش يقومون باعداد العدّة للحملة الجوية العسكرية على ايران ليس من أجل تأخير البرنامج النووي الايراني فقط, بل للاطاحة بالنظام أيضا.
و انّ هؤلاء المسؤولين المتحمسين للحرب لا يهتمّون للمخاوف التي تبديها بعض القيادات العسكرية في البنتاغون حول المساوئ التي قد تتسبب بها الحرب فضلا عن مدى فعاليتها وإمكانية نجاحها.
وفقا للسيناريو المطروح, فانّ الولايات المتّحدة ستحضّر للهجوم المرتقب بشكل سري للغاية بحيث أننا لن نسمع ضجيجا في الاعلام عن حشود عسكرية و تجهيزات صاروخية و معدّات عسكرية و نقاشات مع الدولة الفلانية لفتح حدودها او اجوائها كما حصل في الحرب على العراق. بل سيتم تعزيز حاملات الطائرات الموجودة في المنطقة و زيادة عدد القوات الجويّة المقاتلة الموجودة على متنها او في القواعد المنتشرة في المنطقة, و سيترافق ذلك مع حديث اعلامي مكثّف عبر المسؤولين الأمريكيين عن الارهاب, علاقات ايران بالقاعدة, و عن أمن اسرائيل و التهديد الذي تتعرض له من قوى اقليمية.
و بعد ان يتم استنفاذ الحلقة المفرغة من المفاوضات, سيكون الهجوم سريعا و مفاجأ و سيستهدف بداية منشآت البرنامج النووي الايراني و مراكز الحرس الثوري التي تحمي النظام. سيستمر القصف وفقا لهذا السيناريو خمسة ايام على الأقل لتقييم الاضرار التي نجمت عنه, ثمّ سيتم استئنافه بشكل مكثّف و مطوّل في محاولة لاغتيال قيادات ايرانية لتمهيد الطريق لثورة داخلية او للشعب لاستلام الحكم و السيطرة عليه.
سادسا: سيناريو "اللسعة" العسكري
يختلف هذا السيناريو عن باقي السيناريوهات التي تمّ عرضها سابقا في انّ مصدره "روسيا", و هو ما يطرح تساؤلات عديدة حول توقيت اعلانه و مدى دقّة المعلومات الموجدة فيه, و الهدف من طرحه في الفترة التي يتنازع فيها الطرفين الروسي و الايراني حول اكمال العمل بـ "مفاعل بوشهر" الذي كان من المفترض ان يتم تزويده بقضبان الوقود النووي في شهر آذار الماضي, و هو الأمر الذي لم يحصل.
وفقا للمعلومات التي نقلتها وكالة أنباء "نوفوستي" الروسية عن التقرير الذي نشرته صحيفة"ارغومينتي نيديلي" في آذار من العام 2007, فانّ سيناريو الهجوم العسكري الامريكي المرتقب على ايران و الأكثر احتمالا يحمل اسم "اللسعة", و في هذا طبعا اشارة الى طبيعة العمل العسكري الذي يحمل صفة العمليات الجراحية في المكان و السرعة الهائلة في الزمان و التي تمّ توصيفها مجازيا "باللسعة".
تفيد المعلومات الروسية انّ سيناريو "اللسعة" سيتم تطبيقه في الجزء الاول من شهر نيسان الحالي في الساعة الرابعة فجرا ليستمر مدّة 12 ساعة حتى الساعة الرابعة بعد الظهر. وفقا للسيناريو المطروح, فستقوم الولايات المتّحدة بتوجيه ضربة جوية خاطفة و قوية عبر الطائرات و الصواريخ التي ستطلق من الغواصات ايضا لتصيب حوالي 20 منشأة نووية مهمة, على ان تؤدي الهجمات هذه الى تحقيق دمار كبير يؤدي الى اعادة البرنامج النووي الايراني لمدة لا تقل عن خمس او سبع سنوات.
بعد مرور عدّة ايام على طرح السيناريو في وسائل الاعلام, قام نائب رئيس اكاديمية العلوم الجيو-سياسية الروسية الجنرال ليونيد ايفاشوف بالتأكيد عليه قائلا انه لايشك في نية الولايات المتحدة الاميركية مهاجمة ايران. وقد توقع الجنرال الروسي الا تقوم القوات الامريكية باستبعاد الهجوم البريّ على ايران و اعتماد وسائل تتناسب مع الخطّة المطروحة و الهدف المعلن و منها:
1- اعتماد الضربات الجوية المكثفة بهدف القضاء على قدرة ايران على المقاومة و الرد.
2- تدمير مراكز الادارة والمنشآت الاقتصادية المحورية.
3- تصفية القيادات الايرانية أو جزء منها.
4- عدم استبعاد استخدام وزارة الدفاع الاميركية "البنتاغون " الاسلحة النووية التكتيكية ضد المنشآت النووية الايرانية وملاجئ القيادات .
و ترافق تأكيد الجنرال الروسي على هذا السيناريو مع انباء عن سحب روسيا لعدد من خبرائها في مفاعل بوشهر النووي و قيام عدد من السفارات في ايران باجراء تدريبات على عمليات اخلاء واسعة في حالة الطوارئ.
الخيار النووي و القنابل الخارقة للتحصينات ضمن السيناريوهات العسكرية المطروحة
اذا ما راجعنا السيناريوهات العسكرية السابق عرضها في التقرير, فاننا سنلاحظ انّ هناك عاملين مشتركين في جميع هذه السيناريوهات و هما:
1- ضرورة ان تكون الضربة خاطفة و سريعة.
2- ضرورة استخدام قوّة كبيرة لاحداث اكبر قدر من الضرر في البرنامج النووي الايراني و المنشآت التابعة له و المواقع التي يتم قصفها.
و لان العملية يجب ان تكون سريعة و فعالة فان الولايات المتّحدة لن تغامر بحصر الاسلحة المستخدمة على الجانب التقليدي و لتحقيق قدرة اكبر من الردع و ضمان اكبر للنتجية, ستكون جاهزة لاستخدام الأسلحة النووية التكتيكية ضد ايران, فهي عملت على تطوير استخدام القنابل الخارقة للتحصينات و توسيع دائرة استخدام الأسلحة النووية عبر تحويلها الى اسلحة تكتيكية يسهل استخدامها في الحروب السريعة.
الولايات المتّحدة بطبيعة الحال طوّرت هذه الاستراتيجية لفترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لتشمل امكانية استخدامها ضدّ كافة القوى التي تشكّل تهديدا لها و خطرا داهما عليها و من ضمنها قوى في مرتبة عالية كروسيا و الصين, و دول في مرتبة ادنى ككوريا الشمالية و ايران و سوريا و ليبيا و العراق.
و قد عملت الولايات المتّحدة على تطوير خياراتها و اسلحتها النووية من خلال ثلاث مشاريع منفصلة هي:
الأول: مشروع استراتيجية Global strike أو ما يعرف بـ(الضربة الكونية).
الثاني: مشروع Nuclear Posture Review او ما يعرف بـ (اعادة النظر في السياسة النووية).
الثالث: مشروع القنابل الخارقة للتحصينات –الصنف النووي- او ما يعرف باسم (Nuclear Bunker Buster) الى جانب القنابل التقليدية (Conventional Bunker Buster).
الحلقه الثالثه والأخيره
أولا: استراتيجية "الضربة الكونية" Global strike
تعتبر الـ "ضربة الكونية" التي يرمز اليها كوديا باسم " CONPLAN 8022" نواة لخطّة البنتاغون الهجوميّة الجديدة التي عمل على استحداثها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. تدخل هذه الخطّة في اطار حرب النجوم و هدفها الاساسي ايجاد سبل لصد انتشار الاسلحة النووية و مواجهة الخطر الداهم بأسرع وقت ممكن و بأكثر فعالية ممكنة.
مرّت هذه الاستراتيجية في اربع مراحل اساسية منذ بدء التحضير لها في العام 2002, و قد احتاجت الى اربع سنوات حتى تصل الى التصور النهائي و قد صدرت الوثيقة التسلسلية التي مرذت بها هذه الاستراتيجية في 15 آذار من العام 2006 و هي تتألف من 250 صفحة.
ميزة هذه الاستراتيجية و جوهرها يكمن في توفير القدرة للولايات المتحدة على تنفيذ السياسة القومية المتعلقة بالضربات الوقائية ضد أسلحة الدمار الشامل و اختصار الوقت الكلاسيكي اللازم لاطلاق هجوم كاسح بأمر من الرئيس الامريكي على أي دولة تشكّل تهديدا لها. فهي تتيح للولايات المتّحدة توجيه ضربة قوية جدا لأي مكان في العالم خلال دقائق معدودة.
تنطوي "الضربة الكونية" على سيناريو ومخطط للقيام بعملية رد فعل سريعة و هي تجمع بين استخدام القصف الدقيق وعمل القوات الخاصة في عمق منطقة العدو والحرب الالكترونية و استخدام الصواريخ التقليدية و غير التقليدية (نووية) و الأسلحة المتطورة (ليزر) دفعة واحدة و في وقت قصير جدا يعمل على شل العدو كليا.
و بما انّ أي هجوم امريكي على ايران يحتاج الى ان يكون سريعا و قويا ليكون فعّالا, فانه لا يمكن استبعاد استخدام القوات الأمريكية لهذه الاستراتيجية بطلب من الرئيس الأمريكي. و كان السيناتور الأمريكي "جاري هارت" عضو مجلس الشيوخ السابق قد اشار في 23 أيلول 2006 الى امكانية حصول ذلك فعلا في حال قرّرت الولايات المتّحدة ضرب ايران, معتمدة على عدد من الخطوات المرحلية قبل تنفيذها و منها:
1- تجهيز حاملات الوقود الجوية بالانتشار لتزويد قاذفات القنابل من طراز B2 بالوقود جوا.
2- تمركز السفن المستخدمة لإطلاق صواريخ كروز في نقاط استراتيجية في شمال المحيط الهندي وربما في الخليج.
3- استخدام الطائرات غير المأهولة لجمع الإحداثيات الخاصة بأهداف القصف.
4- نتشر مجموعات من القوات الخاصة لتثبيت تلك الإحداثيات والتحقق منها.
مشيرا الى أنّ الخطوتان الأخيرتان تم اتخاذهما بالفعل منذ وقت طويل حيث أكدت مصادر عسكرية أمريكية أنه قد تم نشر وحدات استطلاع داخل الأراضي الإيرانية منذ صيف عام 2004، وهي تقوم بزرع أجهزة الاستشعار وتجنيد عملاء استخبارات لتهيئة ارض المعركة للحملة الجوية الأمريكية.
ثانيا: عقيدة "العمليات النووية المشتركة" Doctrine for Joint Nuclear Operations
في كانون الثاني عام 2002 قدم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد إلى الكونجرس مشروعا باسم "اعادة النظر في السياسة النووية" (Nuclear Posture Review) . وفيه تناول مشروع إعادة إطلاق الترسانة الأمريكية النووية بصيغة استراتيجية.
و تذكر هذه الوثيقة "أنّ الولايات المتحدة باتت تواجه أخطاراً متعددة ذات مصادر متنوعة ليست كلها متوقعة....و أنّ الترسانة المتوافرة لا تحوي أسلحة دقيقة بالشكل الكافي، بل أسلحة قوية جداً و ذات قدرة محدودة جداً على اختراق الأرض".
وقد استعرض التقرير 1400 هدفا تحت الأرض, واعتبر أنه ليس للأسلحة التقليدية قوة اختراق كافية لتدميرها. و قد حثّ مشروع (Nuclear Posture Review) على صنع فئة جديدة من الاسلحة النووية القادرة على تدمير اهداف معادية تحت الارض ومخابئ اسلحة محصنة, و وضع لائحة بأسماء سبع دول يمكن استخدام السلاح النووي التكتيكي من الجيل الجديد ضدها، وهي روسيا والصين والعراق وإيران وكوريا الشمالية وليبيا وسوريا.
و قد علّق المتحدّث باسم وزارة الدفاع آنذاك الميجور بول سويرغوس قائلا: "ان وزارة الدفاع تقدم دعمها لانجاز دراسة هذه القنبلة -النووية التكتيكية-,...و لا يمكننا مواجهة التهديدات الجديدة باسلحة يعود تاريخها الى الحرب الباردة... ينبغي علينا تكييف قدراتنا لمواجهة هذه التهديدات". و من ثمّ فقد طالبت وزارة الدفاع باستعادة الاعتمادات المالية المخصصة للمشروع لسنة 2006-2007 لانجاز الدراسة المتعلّقة به, "لان القنبلة ستكون مفيدة لتدمير مخابئ الاسلحة ومراكز القيادات المعادية تحت الارض" كما قال سويرغوس.
و بناءا عليه أصدرت وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون في 15 آذار 2005 نسخة أولية من 69 صفحة تتعلق بمبادئ عملياتها النووية و قد أدخلت عليها بعض التعديلات الجوهرية التي كانت تسعى اليها. و قد نشرت هذه الوثيقة الأوّلية مع تعديلاها في اليوم الذي يصادف الذكرى الرابعة لهجمات نيويورك و واشنطن, أي في 11/9/2005 تحت عنوان "مبادئ العمليات النووية المشتركة" (Doctrine for Joint Nuclear Operations) و أهم التعديلات التي تمّ ادخالها على الوثيقة الأساسية التي تناقش استخدام الأسلحة النووية من خلال العمليات العسكرية و التي تعبّر عن العقيدة النووية الأمريكية الجديدة هي:
أولا: التخفيف من القيود المفروضة على استخدام السلاح النووي؛ حيث كانت المبادئ الخاصة باستخدام الأسلحة النووية الأمريكية والتي تم تعديلها منذ 10 سنوات تقول بوضوح بأن "قرار استخدام أسلحة نووية على أي مستوى يتطلب أوامر صريحة من الرئيس (الأمريكي)". لكنّ وطبقا للتعديل فإن القادة العسكريين يمكن أن يطلبوا موافقة من الرئيس لاستخدام تلك الأسلحة تحت أي سيناريو كاستباق استخدام العدو لأسلحة الدمار الشامل على الولايات المتحدة أو قوات التحالف أو على السكان المدنيين.
ثانيا: بحسب التعديلات التي ادخلت على الوثيقة فإنه في بيئة دائمة التغير "من الممكن للارهابيين أو الدول الإقليمية المسلحة بأسلحة دمار شامل، أن تعرّض التزامات الولايات المتحدة تجاه حلفائها وأصدقائها للاختبار..و استجابة لذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج لمساحة من القدرات، تمكنها من التأكيد لأصدقائها وأعدائها على السواء على تصميمها ومضائها".
و قد جاء في الوثيقة الحالات التي يمكن من خلالها استخدام الأسلحة النووية التي تتحوّل في تلك الحالة من ردعيّة الى ميدانية و التي تعبّر عن المبادئ النووية الأمريكية الجديدة و منها:
أولا: إذا قرر الخصم أن يستعمل أسلحة الدمار الشامل ضد الشركات الأمريكية المتعددة الجنسيات أو قوات التحالف الأمريكية أو السكان المدنيين.
ثانيا: ضد منشآت تجهيزات الخصم، ومن ضمن ذلك أسلحة الدمار الشامل، والمخابئ العميقة و الصلبة التي تحتوي موادة كيمياوية أو أسلحة بيولوجية، أو البنية التحتية للقيادة والسيطرة التي يحتاجها الخصم لاستعمال أسلحة الدمار الشامل في هجوم ضد الولايات المتحدة أو أصدقائها وحلفائها.
ثالثا: في حالات هجوم وشيك من أسلحة خصم بيولوجية، التي لا يمكن تحطيمها بسلامة إلا بالأسلحة النووية.
رابعا: لمواجهة قوات تقليدية كبيرة العدد بهدف إنهاء الحرب بسرعة لصالح الولايات المتحدة، ولإثبات استعدادها وقدرتها على استخدام أسلحة نووية لمنع العدو من استخدام أسلحة دمار شامل، وللرد على استخدام أسلحة دمار شامل قدمها العدو "لأحد حلفائه".
خامسا: في الحالات التي لو أظهرت فيها أمريكا نيتها لاستعمال الأسلحة النووية، لأحبطت قدرة الخصم على استعمال أسلحة الدمار الشامل.
و نصت الوثيقة على أن سياسة الردع لاستخدام أسلحة الدمار الشامل تتطلب إمكانية قيادة الخصم للاعتقاد بأن واشنطن لها المقدرة على الاستباق والانتقام بشكل فوري بثقة وفعالية. كما تطلب من قيادات القوات الأميركية المنتشرة في العالم الإعداد لبرامج محددة لاستخدام أسلحة نووية في مناطقها ووضع خطط تبرر طلب موافقة رئاسية على تنفيذ ضربة نووية.
و اذا ما راجعنا الحالات التي يمكن استخدام السلاح النووي التكتيكي فيها استنادا الى الوثيقة, فسنرى انّ الحالة الايرانية موجودة بقوّة, و هو ما يرجّح امكانية استعمال الخيار النووي كخيار حاسم ضدّها.
ثالثا: مشروع القنابل الخارقة للتحصينات بما فيها النووية التكتيكية Nuclear Bunker Buster
تعتبر القنابل الخارقة للتحصينات عماد أي هجوم جوي ستقرّه الولايات المتّحدة على ايران او على غيرها من الدول التي تملك منشآت محصّنة. و بما انّ الولايات المتّحدة تسعى الى ان تحقّق دمارا هائلا في المنشآت التي يتم استهدافها فانّ ما يعرف باسم Nuclear Bunker Buster و ستكون على رأس قائمة الأسلحة المستخدمة في الهجوم الجوي. و لذلك لا بد من الاحاطة بخصائص هذه القنابل و مميزاتها و كيفية عملها خاصّة انّ المنشآت النووية الايرانية المحصنّة كمنشأة ناتانز لتخصيب اليورانيوم و مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية و غيرها من المنشآت المحصنّة و التحت أرضية ستكون الهدف الاول لهذه القنابل.
تعرف القنابل الخارقة للتحصينات اصطلاحا بـ (EPW)Earth Penetrating Weapons , و هي مصممة لتصطدم بالأرض بسرعة عالية لتخترق السطح الى العمق و تنفجر بعد ذلك فيه. مثل هذه القنابل يمكن تحميلها في صواريخ قصيرة المدى عبر الطائرات خاصة, كطائرات الشبح (B2 Stealth) أو طائرات (F-111) و (F-15) و هي الطريقة الشائعة و الأكثر فاعلية.
تمّ تطوير هذه القنابل في حرب "عاصفة الصحراء" على العراق خلال اسابيع قليلة و ذلك من اجل ضرب مراكز القيادة و التحكّم العراقية التحت الأرضية. فقبل انّ يتم تصنيع هذه القنابل, كان من غير الممكن لأي قنابل اختراق التحصينات التحت أرضيّة, لكن بعد الحرب الامريكية على العراق في العام 1991 أصبح الأمر مغايرا.
و تتألف القنابل الخارقة للتحصينات من نوعين:
- الاول و هو من نوع القنابل التقليدية Conventional Bunker Buster, و تعرف اكبر فئتين منه باسم (GBU-28) و (GBU-37) و هما تعتمدان نفس الهيكل لكن مع أنظمة توجيه مختلفة, و قدرة على اختراق الأرض بعمق 30 متر
- النوع الثاني هو من نوع القنابل النووية التكتيكية التي تعرف باسم Nuclear Bunker Buster و تتميز عن الأخرى برأس رفيع مثل B61-11 , و بقدرة اختراق اقل من النوع التقليدي اي حوالي 2 الى 3 أمتار و لكن بمفعول أكبر بكثير, حيث يعمل على توليد موجات طاقة باستطاعتها تحطيم تحصينات تحت أرضية على مسافة 70 مترا تقريبا.
بالنسبة الى هيكل القنبلة (GBU-28) التي تمتلك رأسا تفجيريا يعرف باسم (BLU-113) فهو على شكل انبوب يبلغ قطره حوالي ثلث متر (36.8 سنتم) و طوله حوالي 4 أمتار و يبلغ وزن القنبلة أكثر من 2 طن تقريبا مع امكانية حمله حوالي 300 كلغ من المتفجرات الشديدة القوّة. امّا عن وسائل القائها فهي تتم عادة عبر الطائرات و باستطاعتها اختراق الارض بعمق 30 مترا, و الاسمنت المسلّح بعمق 6 أمتار.
القنبلة (GBU-28) تستخدم نظام توجيه يعتمد على الليزر فيما تعتمد القنبلة (GBU-37) على نظام التوجيه العالمي مما يجعلها اكثر دقّة في اصابة الهدف من النوع الأول و ممّا يمكنها ايضا من العمل في جميع الظروف الجويّة مهما بلغت رداءتها.
امّا بالنسبة الى القنبلة (B61-11) النووية فيتم الآن تطويرها للحصول على قنبلة نووية تكتيكية خارقة للتحصينات قادرة على اختراق القشرة الارضية بعمق 30 مترا بدلا من 6 امتار على ان تستطيع تحويل الانفجار الهائل الى موجة تدميرة ضخمة لا تصمد امامها أي من التحصينات التحت ارضية الموجودة حاليا مهما كان عمقها او سماكتها.
من خلال الوصف الدقيق اعلاه, يمكننا ان نفهم طريقة عمل هذه القنبلة التي تعتمد في مفهومها على اساسيات الفيزياء. اذ تمتلك هذه القنبلة انبوبا شديد القوّة و هو ضيق جدا نسبة الى طوله و هو ثقيل جدا أيضا. من هذا المنطلق, فانه عندما يتم القاء القنبلة من الطائرة, يعمل هذا الانبوب على تطوير سرعة عالية جدا و بالتالي على توليد طاقة حركية كبيرة (K.E.) اثناء سقوطها.
فالقنابل الخارقة للتحصينات تخترق الأرض بعدة امتار قبل ان تنفجر, و تقوم القشرة الارضية بالحد من سرعة و عمق الاختراق الذي تسببه القنبلة, لكنّ الانفجار التي تحدثه القنبلة في داخل الأرض بدلا من سطحها يعمل على نقل كمية كبيرة من طاقة الانفجار الى عمق الأرض مما من شانه ان يؤدي الى تشكيل موجات طاقة قوية جدا تعمل على الامتداد و تدمير التحصينات التحت أرضيّة .
على سبيل المثال, فانّ تفجير 10 كيلوطن عل عمق يصل الى متر واحد فقط من شانه ان يزيد من القوّة التدميرية و التفجيرية بنسبة 20 ضعفا فيما لو كان هذا التفجير على سطح الأرض. بمعنى آخر فان تفجير 10 كيلو طن بعمق متر واحد يساوي في قوته التدميرية تفجير 200 كيلو طن على سطح الأرض, و 320 كيلو طن فيما لو كان العمق 5 امتار.
ان كان من ضربة عسكرية, فمتى التوقيت؟
لطالما عرضت العديد من التقارير توقيتات مختلفة متعددة للضربة الامريكية المحتملة على ايران, فمنهم من بشّر بها منذ العام 2003 و منهم 2004 و 2005 و 2006 و هكذا الى ان وصلنا الى هذه السنة. لكن الملاحظ انّ معظم التخمينات السابقة لم تكن تستند الى مؤشرات حسابية او واقعية معينة, فهي جرد تخمينات لا اساس مادي لها.
امّا اليوم, فما نراه مختلف جدا. فكما سبق و ذكرنا هناك تصعيد دبلوماسي و سياسي و عسكري غير مسبوق و هناك مناورات و حشود عسكرية برية و بحرية و هذه امور غير طبيعية و لا تجري في ظل أجواء طبيعية.
و على ايّة حال, فاذا ما قرّرت امريكا القيام بعمل عسكري فانّ مسألة التوقيت قد تتحكم بها عدّة عناصر. يقول "مايكل آيسينشتات" في مقال تقييمي نشره في مركز واشنطن لسياسات الشرق الأدنى مؤخرا بعنوان "الحسابات المعقّدة لعمل عسكري وقائي ضدّ ايران" انّ من بين العوامل التي تؤثّر على مسألة توقيت الهجمة العسكرية, المعلومات الاستخباراتية المتوافرة و حالة البنى التحتية النووية الايرانية. فكلما توافرت معلومات استخباراتية جديدة و مهمة, كلما كانت الضربة انجع و اقوى, و لذلك فان تحديد توقيت الهجوم يجب ان يتم مع وجود اشارة الى انتهاء عملية جمع المعلومات الاستخباراتية او انها استنفذت اغراضها و لم يعد هناك من امكانية لكشف المزيد. امّا فيما يتعلّق بحالة البنى التحتية النووية الايرانية, ففيما يتعلق بمنشآت تخصيب اليورانيوم, فانه كلما كان الهجوم عليها في وقت مبكر كلما كان ذلك أفضل, و هو ما يتناقض مع المنشآت النووية الاخرى التي كلما تمّ تأخير ضربها كلما كان ذلك افضل لناحية الوقت الذي سيستلزم الايرانيين اعادة بنائها من جديد.
بلغة الأرقام و الأشهر, نستطيع ان نقول انّ الفترة المتوقعة لعمل عسكري اذا ما كان حتميا, يجب ان تأخذ بعين الاعتبار أفضلية الهجوم على المنشآت النووية قبل أن يتم تشغيلها لتلافي أي تسرّب للاشعاعات. و عليه فانّ الفترة المتاحة تمتد من منتصف شهر نيسان الحالي وفقا للمعطيات التي وفرها التقرير الروسي عن عملية اللسعة (مع استبعادنا لذلك), و حتى شهر ايلول من العام 2007 و هو التاريخ الذي كان من المفترض ان يتم تشغيل مفاعل بوشهر النووي. و لكن و بما انّ الأزمة الروسية-الايرانية الحالية قد حالت دون تسليم ايران قضبان الوقود النووي في الموعد المحدد في آذار الفائت و علّقت العمل بالمفاعل, فهذا يعني ان لدى الولايات المتّحدة فسحة زمنية اضافية بحدود الستة أشهر او تسعة.
نختم فنقول و نعيد التذكير بانّ ايران ستكون في غاية الغباء اذا راهنت على أنّ وضع أمريكا الحالي الغارق في العراق وأفغانستان ووضع الادارة الأميركية الضعيف جماهيرياً في الداخل وارتفاع اسعار النفط وغيرها من العوامل قد تحول دون تمكين اميركا من شن هجوم عليها. لا يمكن المراهنة على هذا التصور وذلك لان القيادة الأميركية الحالية والادارة المساندة لها هي قيادة (غير عقلانية) في مفهوم العلاقات الدولية, بمعنى انها اذا ارادت القيام بالعمل فانها لن تقيم وزنا لهذه القيود خصوصا انها ترى أن الله قد وكلها القيام بمهامها كما فعلت في العراق!!
القيادة غير العقلانية تكون خطيرة جداً والأخطر ان يقوم خصمها ببناء خطواته على اساس اعتبار ان القيادة الأولى ستقوم بردود فعل عادية او خطوات عقلانية مدروسة كما جرت العادة, وهنا يكون الخطر مضاعفاً والنتائج أكثر كارثية.
هذا و نقرأ لعدد من المنظرين انّ امريكا تسعى لاستدراج ايران لحرب و انّها تعمل على استفزازها و تحفر لها الحفر, و تريد ان تفتعل عمليات وهمية تلصقها بايران لتقوم بقصفها, و في هذا الاطار هناك سؤال يطرح نفسه بقوّة: ماذا عن ايران؟ هل تريد ايران حقا ان تتفادى ضربة عسكرية ام أنّها تعمل في الطريق المعاكس و توفّر كل الذرائع و تهيئ كل الأجواء المناسبة لقيام امريكا بتنفيذ ضربة عسكري ضدّها؟ ماذا اذا كانت ايران تريد فعلا ان تقوم الولايات المتّحدة بهجوم عسكري عليها!!
كما انّ الادارة الامريكية ادارة غير عقلانية و ترى نفسها مكلّفة من الله بمهامها, فانّ القيادة الايرانية المتمثلة بالولي الفقيه و الرئيس أحمدي نجاد هي قيادة ثورية غير عقلانية في وقت الأزمات ترى انّها مكلفة من الامام المعصوم المهدي العسكري الذي هو ترجمان القرآن, و انّه هو من وقّع قائمة اسماء مجلس النواب و دعم حكومة أحمدي نجاد شخصيا -هذا ما ذكره الموقع الالكتروني لنائب رئيس الجمهورية السابق "أبطحي" الذي اشتكى في مقال له من تلاعب المحافظين في ايران بالدين- و انّ هذه القيادات تمثّل المشيئة الالهية الربّانية في مواجهة أمريكا و انّ عودة المهدي ستخلص العالم من هيمنة الولايات المتحدة وغيرها من القوى الظالمة والظلامية, و لتحدث النقلة التي ستؤسس لموعد تطبيق العدالة الإلهية.
هذه الرؤى الايرانية التي تتعلق بالحرب الأخيرة بين الخير والشر او بظهور المهدي المنتظر, تشير الى انّ ايران تسعى ايضا إلى الحرب إن لم يكن من خلال عدم نزع فتيل الأزمة, فمن خلال تهيئة الأجواء المناسبة لها عبر الدور التخريبي في العراق و المنطقة أو الاستفزازي الميداني والإعلامي, او عبر الانزلاق في خطأ حسابات قاتل قد لا يترك للمساعي الدبلوماسية أي فرصة.
و في هذه الحالة, سيكون على ايران ان تتحمل نتائج الحرب وحدها ان وقعت. و كما قال رفسنجاني لمبعوث صدام حين سافر الى ايران عارضا عليه حلفا ثنائيا في مواجهة أمريكا: "سنترك لكم شرف مواجهة أمريكا لوحدكم و نحظى نحن بالنتيجة".
السلام عليكم، أريد إبلاغ أي شخص يقرأ هذا ويرغب في الحصول على تمويل من شركة موثوقة، يرجى الاتصال بهذه الشركة وإبلاغها بالتفاصيل أدناه واتباع كل ما يُطلب منك القيام به وستحصل على التمويل الخاص بك لأنه لقد حصلت على قرضي منهم ولهذا السبب أفعل ذلك أيضًا لمساعدة أي شخص في حاجة ماسة إلى التمويل. اتصل بهم عبر البريد الإلكتروني (contact@sunshinefinser.com) أو WhatsApp: +919233561861
ردحذففاطمة.