29‏/03‏/2012

الزواج في بلاد ما بين النهرين القديمة وبابل

بواسطة روبرتو نارانخو
كما العروس يقترب من مذبح الاحتفالية على عقد لذراع والدها، العريس يأخذ بعصبية نظرة خاطفة على الساحة المحيطة به. ليس بعيدا من الهدايا، التي قريبا سيتم تبادلها. أفراد العائلة يقفون بفخر حولها في جو احتفالي. وهذا يحدث في شمال ولاية نيويورك، حديقة استوائية في ميامي، أو كنيسة غريبة القديمة في مونتريال القديمة؟ ربما، ولكن يمكن أن يكون قد حدث في مكان ما في بلاد ما بين النهرين القديمة.
ويمكن في المجتمع الغربي أن تعزى بعض جوانب العلاقات الأسرية الحديثة، وتكوين لبلاد ما بين النهرين القديمة وبابل. وبدأت الأفكار مثل الزفاف، والزواج، والطلاق ثم النامية. من خلال وثائق قانونية لا تعد ولا تحصى من السومرية إلى الفترة السلوقية، ونحن نرى الفرد بوصفه الأب، الابن، الأخ، أو الزوج. بدأت جذور هذه العلاقات مع اقتراح، تليها عقد الزواج، وتنتهي مع حفل الزفاف. الزوجان بلاد ما بين النهرين ثم اختار الشباب إلى حيث يسكنون. في ظروف معينة، وكان الذكور ليقرر ما إذا كان لديك زوجة أخرى أو محظية 1. في أي وقت من الأوقات، للعروسين أنجب الأطفال. الأب، بصفته رئيسا للعائلة، وكان سلطة كاملة عليها. هذه السلطة يمتد إلى مسائل مثل التبني والميراث. كيف كبيرة حصلت يعتمد على وحدة الأسرة في بلاد ما بين النهرين حيث تشكيلها.
وكانت وحدة الأسرة في بلاد ما بين النهرين صغيرة ومحدودة، على الرغم من أن في بعض مناطق جنوب بابل عشيرة أو حتى منظمات مثل القبلية من نوع ما وجدت. في الأوقات البابلية الجديدة، ويبدو على قدر من الوعي عائلة في شكل أسماء العائلات الأجداد لأغراض تحديد الهوية. الخطوة الأولى في خلق وحدة الأسرة، سواء كانت صغيرة أو عشيرة تريد، هو بالطبع الزواج. ويا للسخرية، بالنسبة لمعظم من التاريخ، إلا أنه ترك العروس المرتقبة للخروج من عملية صنع القرار.
وبالمثل، تأثر الزواج، ويعتبر بمثابة عقد قانوني، والطلاق وتفكك من خلال الإجراءات الرسمية. وافق زوج المستقبل، والده في القانون على أساس عقد، وإذا وقع الطلاق، كان من حق الأب في القانون إلى الارتياح. وينص العقد المبرم بين الخاطب والد العروس المتوقعة ثمن يد عذراء. وقالت انها تلقت مبلغ معين للأب. إذا كان الزواج لم تسفر عن الأطفال ثم أعيد ثمن العريس قد دفع لزوجته له عليه على وفاتها، إذا لم يكن قد عاد من قبل. وكان عدم وجود أطفال ليس السبب الوحيد لإعادة الثمن المدفوع للزوجة، وفاتها يمكن أن تؤدي إلى استرداد.
أصبحت الفتاة تزوجت مرة واحدة، عضوا كامل العضوية في عائلة زوجها المستقبلي. إذا مات، سوف تتزوج أحد أشقائه أو، اذا كان يفتقر الى الاخوة، أحد أقاربه بالقرب. عاد والدها إذا كانت هذه الشروط لم يحدث، بجميع حقوقه عليها، وأعطى كل مرة يعرض أنها تلقت ما عدا تلك التي يستهلكها. وعلى العكس، إذا كانت الفتاة توفيت، وزوجها المقصودة لا تريد الزواج من واحدة من أخواتها، وقال انه بإعادة جميع الهدايا التي كان قد أعطاها. وأشار اتفاق تم التوصل إليه مرة أخرى أن حفل الزفاف الفعلي قد يستغرق الآن مكان.
استغرق هذا الحفل على شكل تسليم الزوجة لزوجها.
إذا كان كل من ينتمي الى فئة من المواطنين الأحرار، وزوج المحجبات عروسه في حضور شهود، وأعلن رسميا "هي زوجتي. خلال حفل خطوبة، سكب زوج الفتاة في المستقبل والعطور على رأسها، ويقدمون الهدايا لها والأحكام. بعد ظلت الزفاف، حيث سيعيش الزوجان القضية الوحيدة.
قد تبدأ الحياة الزوجية إما العروس البقاء في بيت أبيها أو الذهاب مع زوجها إلى بلده. في الحالة الأولى، وقدم الزوج للزوجة مبلغ يسمى dumaki نحو الحفاظ على المنزل. إذا كان الزوج توفي ظلت هذه المساهمة ممتلكات الأرملة إلا إذا كان المتوفى قد غادر لا أبناء ولا أخوة. إذا، من ناحية أخرى، وزوجين شابين ذهب للعيش في منزل الزوج، وجهت زوجة مع sherigtu 1 لها، أو المهر. وsherigtu، مع هدايا العروس تلقت، ظلت ملكية غير قابل للتصرف من أطفالها، وإخوة زوجها لا يمكن أن يدعي ذلك.
وإلى جانب هذه الهدايا، فقد كانت العروس تحصل علىjointure زواج أو nudunnu، هدية خاصة قدمت لها في وقت خطبتها. ظلت nudunnu ممتلكاتها حتى لو طلقت منه. أخيرا، وقالت انها سوف تتلقى أيضا هدية من الذهب الرصاص والفضة والمواد الغذائية للاستهلاك في وليمة عرس. بعد حفل الزفاف، واستقر الزوج والزوجة وصولا الى روتين الحياة اليومية. للزوج وكان هذا عادة زواجه فقط، طالما أن زوجة عاش وقدم الأطفال. لم يكن مستغربا ولكن، ليكون آخر الزوج أو حتى محظية له.
كانت المناسبة الوحيدة التي تعتبر مبررة ومشروعة للرجل أن يأخذ امرأة أخرى في حال الزوجة الأولى أثبتت أنها عقيمة. على الرغم من هذا السبب، قد زوج ليس فقط الحفاظ على زوجته، ولكن أيضا محظية 1. كان يحق للسيدة من ارتداء الحجاب فقط عندما رافقت زوجة القانونية في الهواء الطلق. وظل هذا الحق، الذي شريعة حمورابي قد منحت إلى البابليين، في قوة منذ ما يقرب من خمس مئة سنة. لكن هذا الحق لا يسمح للزوج أن يكون اثنين من "زوجات"، وهذا العنوان ينتمي الى زوجة القانونية من لحظة انه وضع الحجاب عليها. وبالمقارنة مع هذا الأخير، فإن محظية تحتل دائما مكانة أدنى قليلا. وقالت انها اختارت أصلا من بين عباده، للقيام بواجباتها مع الاحترام الواجب للزوجة القانونية. عادة للخروج من هذه العلاقات، سواء مع زوجة واحدة أو زوجا وعشيقته، ولدت الطفل الأول.
شهد ولادة الطفل الأول خطوة أخرى في حياة الزوج، وكان الآن على رأس الأسرة. نادرا ما كانت هناك أي حدود لحقوق الوالد على أبنائه. يمكنه، على سبيل المثال، تودعها مع الدائن كضمان لسداد الديون. في وثائق قانونية معينة ظهر ك "سيد" أو"مالك" من ولده، وهو مفهوم غريب تماما لفكرة حديثة من أب. كان لديه أيضا الحق في تبني طفل آخر. الحصول عليها نفس الحقوق في الميراث مع الأطفال الآخرين من الذكور في العائلة إذا كان هذا ليس على حساب أبناء المولودين في إطار الزوجية. وجرى حفل اعتماد مكان في وجود شهود. في مقابل الحصول على حقوقه المكتسبة حديثا، وقدم الطفل المتبنى هدية صغيرة إلى والده جديد. حصل على والد جديد حقوق واسعة جدا على مدى المتبنى. يمكنه وضع حد للاعتماد على سعادته وإرسالها مرة أخرى للطفل. إذا كان الطفل تخلى عن عائلته بالتبني، وقال انه ببساطة يجب طرد وعاد إلى منزله. مثال على هذا الحق قوي يظهر على شكل قانون في ظل شريعة حمورابي. هذا القانون وذكر أن نجل امرأة في نذر، أو المحب، الذي تنكرت والديه بالتبني، وكان قطع لسانه.
أما بالنسبة للميراث، استقبل أول مولود للسهم مفضل في حوزة الأب. في الفترة البابلية في وقت مبكر، وقدمت أيضا أحكاما لضمان مهر الابنة ونفقات زواج الابن الاصغر لل. عادة، الذي عقد الاخوة في المجالات المشتركة ورثت والحدائق لمنع تقسيمها إلى أصغر الكثير. كانوا يعيشون في كثير من الأحيان مع عائلاتهم في منزل والدهما. واصلت أرملة في العيش في منزل زوجها السابق وكما هو متوقع، وتكون معتمدة من قبل أولادها. اذا كان لديها أطفال من زواج سابق الذين يعيشون بمفردهم، ويمكن هؤلاء من الزواج الثاني إرسال ظهرها لهم ومسؤوليتهم.
كما ذكر سابقا، فإن مكونات الأسرة الحديثة بما في ذلك الزواج، والزفاف، والعلاقات المقبلة حول من ولادة الأطفال تعود الى بلاد ما بين النهرين. بلاد ما بين النهرين دونت هذا الجانب من حياة الإنسان والتي أنشئت لإمكانية تقريبا كل قانون أو مدونة لقواعد السلوك بداية التطور لا يزال مستمرا اليوم.
لمزيد من القراءة:
Contenau، جورج. الحياة اليومية في بلاد بابل وآشور. لندن. إدوارد أرنولد الناشرين المحدودة 1954
اوبنهايم، A. ليو. بلاد ما بين النهرين القديمة. شيكاغو و لندن.
مطبعة جامعة شيكاغو. 1964
Fairservis، والتر Ashlin. بلاد ما بين النهرين، والحضارة التي ارتفعت من الطين. نيويورك

بمناسبة اليوم العالمي للمياه

إن المياه ذات الجودة العالية هي المفتاح لصحة ورفاه البشر والنظم البيئية وعنصر أساسي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وتشير التقديرات إلى أن المياه العذبة سوف تزداد ندرة في السنوات المقبلة.
"يؤدي نقص المياه الصالحة للشرب الى تفاقم الأعباء التي يتحملها الفقراء و الأشخاص الذين يعانون نقصا في التغذية والى رفع معدلات الوفيات [...] علينا أن نتحد اليوم لتأمين الماء النقي و الغذاء النظيف لكل مواطن في العالم، الآن و في المستقبل." قالت المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا في رسالتها بمناسبة يوم المياه العالمي، 22 آذار/ مارس.
إن موضوع اليوم المياه العالمي لهذه السنة، 2012 هو "الأمن المائي والغذائي".  و تشمل مساهمات اليونسكو الرئيسية لهذا اليوم التقرير الرابع عن تنمية المياه في العالم لعام 2012، ومعرض "مياه" الفني المتنقل.
هنالك سبعة مليارات نسمة على كوكب الأرض، و من المتوقع ان يزداد هذا العدد بقدر مئتي مليار نسمة بحلول عام 2050، فإن مهمة تغذية الجميع تتطلب مبادرات عالمية. وتدل البيانات المستخلصة من تقرير الأمم المتحدة الرابع عن تنمية المياه في العالم على أن الطلب على الغذاء سيرتفع بنسبة 70% مما يؤدي إلى زيادة لا تقل عن 19% في كمية المياه اللازمة للزراعة، والتي تمثل بالفعل 70% من المياه العذبة الصالحة للاستعمال.
ان تحسين إدارة الموارد المائية، وزيادة فرص الحصول على المياه الصالحة للشرب والمرافق الصحية وتعزيز النظافة الصحية بإمكانها أن تحسن جودة الحياة للمليارات من الأشخاص، كما بإمكانها ان تساعد على خفض معدل وفيات الأطفال، و تحسين صحة الأمهات وخفض معدلات الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه.
إن اليونسكو، تقود الجهود في توظيف استراتيجيات جديدة للحفاظ على المياه على المستويات المحلية والإقليمية والوطنية،  فمن ضمن برامجها المعنية بشؤن المياه، معهد التعليم في مجال المياه التابع لليونسكو والمعهد الدولي لهندسة البنى الأساسية والهندسة المائية والبيئية، والبرنامج الهيدرولوجي الدولي وغيرها. وبالإضافة إلى ذلك، ستقوم اليونسكو هذا العام  في المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة؛ (مؤتمر ريو + 20) الذي سيعقد في مدينة ريو دي جانيرو،  في البرازيل، (20-22  حزيران/يونيو)، والذي يهدف إلى معالجة مشكلة الاستخدام غير المستدام للمياه العذبة وتزويد قوى دفع جديدة لتحسين إدارة موارد المياه العذبة في العالم.

26‏/03‏/2012

قصة الجوازات

في اول صفحة بالجـواز الامريكي مكتـوب:

[ حامل هذه الجواز تحت حماية الولايات المتحده الامريكيه فوق اي ارض وتحت اي سماء]

 وفي الجواز البريطاني مكتوب :

... ( ستدافع المملكة المتحدة عن حامل هذا الجواز حتى آخر جندي على أراضيها )

 وفي الجواز الكندي : 

 ( نحرك اسطولنا من اجلك )

اما في الجوازات العربية فمكتوب:
 
( عند فقدان الجواز تدفع غرامة مالية ) 

22‏/03‏/2012

العصيانات الملتهبة بثقافة المرأة-الأم مزدك، بابك والخرمية



هيمنت سحب الظلام على حضارة الشرق الأوسط بعد سحق الكثير من الحركات الباطنية التي كانت تمثل الشعب.

اكادمية عبدالله اوجلان للعلوم الاجتماعية

ونظراً لعواملِ المنطقةِ وطابعِها، فقد تَكُونُ التمرداتُ والمقاوماتُ التي أبداها الشيوعيون المَرموقون من أمثالِ مزدك وبابك  هي آخرُ تمثيلٍ للزرادشتية. فكِلاهما باتا رمزَ البسالةِ بمقاوماتِهما ضد المونارشيةِ الإيرانيةِ – الساسانيةِ المتفسخةِ من جهة، وضد السلاطنةِ العباسيين المنغَمِسين في الملذّاتِ واللهوِ من جهةٍ أخرى." عبدالله أوجلان"
تشكلت تمردات ومقاومات على أسس أثنية ودينية في مواجهة ضغوطات الحضارات المركزية التاريخية القديمة في الشرق الأوسط، حيث تم إحياء القيم الكومينالية في هذه المقاومات المُدينة لها الإنسانية بالكثير في يومنا الراهن. ان مقاومة القبائل العبرانية، ظهور الأديان الإبراهيمية، الزردشتية، القرامطة، الخوارجية، العلوية والكثير من الحركات العشائرية والقبلية والمذهبية والفلسفية الأخرى، انطلقت كحركات تحررية ضد الظلم والاستبداد.
كان اسم هذه المقاومات التاريخية الرائعة النبي إبراهيم ضد النماردة، والنبي موسى ضد الفراعنة، ومن ثم نرى تصاعدا إراديا وأخلاقيا على خط الشرق ـ الغرب في ذات بوذا، كونفوشيوس، زردشت وسقراط. ومن بعد ذلك ظهر سيدنا عيسى على مسرح التاريخ على طريق أمل خلاص البؤساء والفقراء، بتأثير أكثر الطرائق السرية حركة الاسنيين Esseni التي تصدت لليهودية المتراجعة. عندما وصل التدفق التاريخي هذا إلى مرحلة ماني، تكونت الاسنية كمزيجا من فكر بوذا وزردشت" وبشكل طبيعي العيسوية". ان مسار هذا التطور يوضح مستوى المؤثرات الدينية ـ الثقافية في الوقت نفسه، وهذا بدوره يستبعد تفكيرنا بوجود حركة خالية ومنفردة بذاتها.
عند اخذ الزردشتية كدين رسمي للإمبراطورية  الساسانية-الإيرانية وأوقع بها في شرك أداة السلطة، أدى إلى ظهور حركات الإصلاح كعصيانات ممتدة من التاريخ والى يومنا الراهن ضد ذلك. فوفق السلسلة التاريخية، من بعد ظهور الزردشتية والمسيحية بدأت مرحلة اكبر الانطلاقات الدينية والفلسفية والمذهبية بـ ماني ومزدك، لتستمر بـ بابك ومنصور الحلاج في مرحلة الإسلام.
شهد التاريخ على ان عصيان مزدك ذو مكانة هامة كحركة كومينالية كبيرة. فحتى ان وجدت من قبله حركات مقاومة بأفكار كومينالية، لكنها بقيت على الدوام بشكل مجموعات سرية وصغيرة. كما أنها تستذكر كأول حركة شيوعية كومينالية بسبب تأثيرها الواضح والشامل وفي الأساس لدفاعها عن فكر المساواة والتعاون. كذلك ينبغي إضافة انها لم تطور فكرا خارج النظام الدولتي التقليدي تماما، أثناء دعوتها إلى الإصلاح الديني ضمن بنية الدولة. شكل هذا الوضع عاقا لعموم التمردات في الشرق الأوسط. في الحقيقة ينبغي عداد مزدك من بين أقدم الكومينين الكفؤئيين. شهدت أراضي إيران الساسانية على محاولات ماني الإصلاحية قبل مزدك. فحتى ان قمعت هاتين الحركتين بإبادة جماعية، لكنهما عاشا كفكر في تمردات مختلفة وأثرا على التاريخ اللاحق من بعدهما.
أساس الحركة الخرمية: المزدكية
من هو مزدك، وما هي ظروف ظهوره، والأفكار التي دافع عنها وسماته كقائد ؟ وكيف اثر على المراحل اللاحقة من بعده؟
تكون تاريخ القمع والظلم للمستبدين على الدماء، بهدف إزالة أسماء كافة مقاومات الحضارة الديمقراطية وقيمها المادية والمعنوية، لهذا لم يتبقى أي مرجع تعريفي وشامل بحق مزدك. لكن حتى حسب المعلومات الموجودة بحوزتنا اليوم يتبين بان مزدك بطل شعبي يحيا اسمه بفخر في تاريخ الديمقراطية في إيران والشرق الأوسط  بأفكاره المنتظمة ومقاومته باسم الحياة الجماعية.
لا معلومات عن تاريخ ولادة مزدك، ولكنه همداني الأصل وقتل بتاريخ 499 كقائد إصلاحي شعبي. جاءت مرحلة مزدك كاستمرارية لماني وزردشت وكمرحلة معروفة مثل مرحلة الأديان اليهودية والمسيحية والبوذية إلى مدارس الفلسفة اليونانية في الشرق الأوسط، لذا لا يمكن الاعتقاد بأنه لم يؤثر على مزدك ولكن كانت مجتمعية الشرق من أهدافه الأساسية. 
دافع مزدك بفلسفته عن نظام حر عادل ومشترك في مواجهة النظام الدولتي الاستبدادي الذكوري المبني على أساس شراكة رهبان زردشت والبيروقراطيين الساسانيين، على الأسس التالية:
1- التعاون على أساس تقاسم المال والثروة
2- المساواة بين الرجل والمرأة
3- وضع فكرة عدم بناء السلطة والتحكم بالناس في مركز فلسفته.
لقد اتخذ كل من أصحاب ورجال الدين أصحاب أراضي المعابد موقفا ضده على الفور، وبرز هذا الموقف في البداية على شكل تشويه سمعته من قبل المتحكمين مثلما حدث في كل عصر." يحمي مزدك حق مشاركة النساء في الثروة".
وضع مزدك الأسس الفلسفية لأفكاره بمثالية زردشت: النور والظلام، الحسن والسيء وكل هذين الثنائيتين في صراع دائمي وفي كل مكان ماعدا الرب. كما حرم قتل الإنسان واكل لحم الحيوان مثلما هو موجود في الزردشتية، كذلك تجريد رجال الدين من الخصائص التمييزية وما يحملونه من مسؤليات دينية كبيرة. كما أشار إلى ضرورة استبعاد الملكية الخاصة والتي هي المصدر لجميع السيئات، الخطايا، العنف، الحسد، الغضب والطمع وبناء مجتمع مفعم بالحب والعشق.
وضَّح مزدك وجود الكون بثلاثة عوامل رئيسية مثل الماديين اليونيين"ionia :  النار، الأرض والماء. ويدير اله النور النظام الكوني بتفضيله أربعة قوة لأربعة أشخاص بالاشتراك مع القوى الأخرى الموجودة تحت أمرته، وهم:
1- المحاكمة (موبادMobad ـ القاضي الرئيسي)
2- الفهم (هاربادHerbad ـ العامل الرئيسي للإدراك)
3- التستر ( سرباهادSerpahhad ـ المحافظ الرئيس)
4- السعادة ( راميشكارRamişgar، معلم الفرح والسعادة)
ووفق ذلك يوجد تحت أمرة الأشخاص الأربعة هذه سبعة قوى وبيد سبعة قوى أثنى عشرة قوى أخرى.
باختصار، لاقت أفكار مزدك ومفهومه في النظام الاجتماعي الذي دافع عنه القبول بسرعة في المجتمع وتوسعت إلى جميع الأطراف. إن السبب الرئيسي في ذلك هو رغبة الشعوب الموجودة على أراضي ميزوبوتاميا في حياة تعاونية ووجود مشاعيات القرى وفق ظروف تلك المرحلة والحية إلى يومنا الراهن.
حتى يتمكن الملك الساساني كاوس الأول (  هناك ما يسمونه بـ كاوا، كاواد، كاواز) من قلب هذا الوضع لصالحه، تظاهر بتبني أفكار مزدك في البداية، وبذلك اشتد ساعد كاوس ضد الارستقراطيين والرهبان المحترفين مع مرور الزمن. للرهبان والارستقراطيين والأمراء مكانة هامة في إيران منذ الإمبراطورية البرسية، حيث حكموا البلاد بنظام الولايات وهم الأوائل الذين حولوا هذا النظام إلى ملك للتاريخ. مع إنشاء هذا النظام في العهد الساساني، تطور بالأغلب مفهوم مَلكية قوية مركزية.
ازداد احتقان المجتمع، حيث كانت الشاهنشاهية تدير جميع النبلاء كأعلى مركز. تكونت الطبقات الاجتماعية الأساسية من الرهبان " اتوربانانatorbanan" والمقاتلينarteştaran" ارتيش تاران" والبيروقراطيين والعساكر" دابيرانdabiran" وطبقة الشعب "vasteryoşan فاستريوشان". شكل الأمراء طبقة من الأصليين مع الرهبان والارستقراطيين أصحاب الأراضي الشاسعة والأموال الطائلة. أما الطبقة الأدنى في التمييز ضمن المجتمع كانت تتشكل من الإداريين الاريانيين الأصل ووحدات المشاة المتشكلة أساسا من الأصليين الأقل  مستوا " الأحرار" والقرويين الآريين والخوارج. إن هدف الملك هو ضمان بقاء جميع هذه الطبقات المختلفة ضمن حدوده، والتظاهر ببناء العدالة. في حين كانت الطبقات العليا تستفيد وتستبد باستمرار، كانت الفئات الشعبية الفقيرة تستعمر وتقمع بشكل اكبر. وبذلك كان من الطبيعي حصول عصيان مزدك على عون ودعم الشعب، بوقفه إلى جانب البؤساء والمسحوقين التي ازدادت أعدادهم وآلامهم مع مرور الزمن.
ان مستوى الحياة التي تشكلت بهذا الاحتقان، التشنج الاجتماعي، تطرف الدولة علنا، معايشة أركان الدولة حياة أبهة وعدم اتخاذ الدولة بجدية المشاكل المتعمقة التي لا تحتمل أو التغاضي عنها، هيأت أرضية العصيان بشكل اكبر. امتد حدود الساسانيين من الشرق إلى الهند ومن الغرب إلى الإمبراطورية الرومانية. وكانت الإمبراطورية الساسانية على تنافس مع الإمبراطورية البيزنطية التي استمرت بوجودها على ميراث الإمبراطورية الرومانية من بعد انهيارها. سعى الملوك الساسانيين إلى إزالة تأثيرات يونان وإحياء تأثيرات حياة السرايا في عهد البرسيين. لذا الساسانيون الأصل لم يتخلفوا عن البيزنطة في حياة مرفهة ملهية واخذوا أركان السرايا تحت تأثيرهم. اتخذت الحياة شكلها المذكور في قصة ألف ليلة وليلة مكانتها في التاريخ كنتيجة لهذه المرحلة.
بالطبع ان السمات الرئيسية لهذه المرحلة المدونة في التاريخ لم تكن قصة ألف ليلة وليلة فقط. فبعد ذلك ستتخذ القصص البطولية عبر اردشير بابكان المنبع لملحمة رستم زال مكانتها المستحقة في التاريخ المدون.
اردشير بابكان كحاكم كردي كان هو الشخص المؤسس للدولة الساسانية، لكن الفارسيين الأصل قاموا بتصفية حكمه والاستيلاء عليه ضمن فترة وجيزة. وبذلك مثلما حصل في إنشاء الدولة البرسية، تغير حكم السلالة في مثال إنشاء الدولة الساسانية أيضا. كل هذا بدوره أنما يدل في الوقت نفسه على استمرار تأثير الكرد في الدولة والمجتمع.
مزدك من أكراد همدان وبتوحيده مع السلطة والإصلاح في الزردشتية المتفسخة، استهدف إلى الإصلاح في إدارة الدولة، تقوى هو ومؤيده مع مرور الزمن. فحتى وان أوقعوا بالملك الساساني في 496 من دفة حكمه ومن ثم هربوا والتجؤا إلى الاكهونيين، زجوا بالملك كاوس في السجن أيضا. ان "جامسابا " الذي احتل مكان كاوس مؤقتا، تظاهر بتبني أفكار مزدك ومسامحته لعلمه بمدى تأثيره ضمن صفوف الشعب. ان كاوس الملتجأ إلى الاكهونيين والحاصل على تأييدهم، هاجم بثلاثين شخصا من جيش اكهون واعتقل مزدك في 499 والحق الهزيمة بأنصاره، وبذلك تخلى جاماسبا عن كرسيه له.
وحسب رواية أخرى، من بعد كاوس الذي بدا بالإبادة الجماعية ضد أعوان مزدك، دعى ابنه خوسرو مزدك إلى سراياه، ليعلن عن دينا جديدا أمام الشعب. مع قبول مزدك وأعوانه دعوة السرايا، فقدوا تأثيرهم بالفخ المنتصب لهم هناك. حيث قام خسرو بدفن رجال مزدك وهم أحياء في التراب وعلى شكل دفن رؤوسهم في التراب وإبقاء أقدامهم خارجا. وبعدما ذكر لمزدك "انظر إلى محصول مذهبك الشيطاني هذا"، قتله خسرو بنفس الطريقة أيضا، لكن مقابل الإبادة الجماعية هذه قال مزدك لخسرو قبل ان يموت " هل بمكانك قتل جميع الشعب؟". في الحقيقة يتبين من سؤاله هذا مدى شساعة المزدكية ووسع نطاقها بين صفوف الشعب. لقب خسرو بـ "نوشيروان" أي بمعنى "الروح الخالد" حتى وان كان له علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالإبادة، وذلك بسبب حمايته لـ " الزردشتية الأرثوذوكسية Ortodoks".
لم يستطع مزدك الذي دافع عن اللاعنف كضرورة لمصدر اعتقاده وتحامله على العمل بالإصلاح في الدولة مع مرور الزمن مع أعوانه، حماية أنفسهم والنفاذ من إبادة جماعية. ان حديث مزدك عن تكوين اله النور من أربعة قوى، مثل كلمة السر لبرنامج إصلاحي تقدمي وفق تلك ظروف: انه برنامج إصلاحي يدعو إلى الإدراك بالمحاسبة، حماية ما فهمته، حماية ما حققته من توسع وفي النهاية إعلان بشرى نصر بناء مجتمع العشق. ولكن مع الأسف تم إبادة هذه المحاولة الإصلاحية المبكرة بإبادة جماعية مثلما حدث في تجربة ماني تماما. لقد اتبعت الإدارة الإيرانية في العهد الساساني سياسة إذابة القوى بداخل نظامها سياسيا وفي حال عدم قدرتها على ذلك، لجأت وباحتراف إلى القضاء عليهم بالإبادة الجماعية مثلما عليه اليوم، وأحرزت النتائج على  المطلوبة.
الخرمية: نداء الحرية الصارخ الممتد بصداه إلى مئات الأعوام
ثابرت زوجة مزدك على النضال من بعد قتله. وكون تدوين التاريخ بقي لكتُاب المتحكمين الأبويين، لا يمكن العثور على معلومات بحقها وكأنها لم تكن. حتى وان وجدت البعض من بقايا المعلومات من عهد "نظام الملك" الذي عاش بعد خرم بخمسة مائة عام ومن بعض المؤرخين، لكنها لعبت دورا كبيرا في إلقاء الضوء على حقيقة عظيمة. ويُدرك من خصائص الحركات التي ظهرت فيما بعد، بان المزدكية استمرت من قبل خرم وأصبحت هي المصدر للحركة التي سميت باسمها. الخرمية نهج كومينالي، يعتمد في أساسه على الفلسفة الزردشتية. الخرمية التي أصبحت المصدر الأولي لظهور العلوية الأناضولية كمصطلح ذات مصادر عديدة، ومن المحتمل ان تكون كلها مرتبطة ببعضها البعض وذات نفس الفاعلية. فمنها تدعي بسبب انطلاقتها من مكان خرم أو بسبب الكلام اللطيف بمعناه، أو استخدام هذه التسمية بمعنى السماحة والفضل والجمال بالمعاني الدينية، إلا انه لا يمكن التفكير بجميعها بمستقل عن زوجة مزدك ورفيقته "خرم".
لم تكن للمرأة أية مكانة لديهم، فكيف حصل وقامت امرأة بقيادة المقاومات العظيمة ضد الإمبراطوريات؟ عندما تكون المرأة اكبر خيال مرعب للمهيمنين، فان عدادهن " الأم خرم " من المعدومين أمر واضح. فحتى لو فكرنا بان خرم كرمز أيضا، فإنها آخر عصيان نسائي بتقاليد نيوليتية وزردشتية قبل الإسلام. بينت المزدكية والحركات الخرمية المتطورة لاحقا التي أشارت إلى مساواة وحرية المرأة، ان خرم ليس رمزا بل شخصية تاريخية. لان هذه الأفكار لا تتكون من تلقاء نفسها من دون إرادة ونضال المرأة.
كانت تلك المرحلة، مرحلة فقدان المرأة قوتها المميزة في المجتمع قبل ذلك بكثير، وحكم النظام الأبوي في مراحل تكوينه. تطور تيار تمرد عميق أثناء المحاولات الساعية إلى تهميش المرأة وإبقائها من دون حول ولا قوة ولا هوية. لم تحطم إرادة المرأة في ميزوبوتاميا بالكامل، وبقي البحث عن المساواة والحرية قائما من دون هوادة. نسجت المرأة عصيانا من الأعماق بطريقة غير مباشرة نظرا لضرورة ظروف تلك المرحلة، بدلا من ظهورها بهويتها وريادتها علنا. إن وقفة المرأة الموجودة إلى جانب مزدك وجاويدان وبابك، هي وقفة ثقة وقبول بالنسبة للمجتمع، وهنا يعكس خصائص الآلهة الأم وطابعها بشكل غير مباشر. وافق المجتمع على تمردات المرأة وريادتها عند النظر إلى خصائصها هذه. إن هذا لأمر هام جدا. حتى الملاحظات المذكورة في المصادر الإسلامية من قبيل: " استمرت خرم زوجة مزدك بتوسيع أفكاره"، " عندما قُتل جاويدان، ذكرت زوجته لأعوانه بان روحه يحيا في بابك وبذلك تم قبول حكمه"، تكفي لتثبيت صحة ما ذكرناه.
توجهت خرم إلى مدينة ري من بعد الإبادة الجماعية للساسانية، ونظمت رفاق ومؤيدي مزدك الناجين من الإبادة الجماعية حتى تنشر أفكاره.
قال مزدك: " ان المال مشترك بين الناس، لأنهم عباد الله وأبناء آدم. كل واحد يمكنه ان يستعمل مال الآخر وفق حاجاته ويجب ان لا يحرم أحدا من هذ الحق. يجب ان يكون الكل سواسية ماليا." وعلى أساس كلام مزدك هذا وضع الكل أمواله للشراكة. من بعد قتله هربت زوجته خرم بنت قاد من المدائن مع اثنين من رجالها إلى الـ ري ودعت الشعب إلى عقيدة زوجها. الذين اتبعوا خرم أعطتهم اسم ديني. نشرت خرم رجال الدين في كل الأطراف واتخذوا في كل مكان أسماء مغايرة، وتمردوا فيها على الدوام. اتحد الباطنيين معهم، لان كلا المذهبين من نفس الأصل."
لم تنتهي ترقب المعادين للمزدكية بقتل مزدك. فبعد استلام خسرو الأول دفة الحكم، ارتكبت الموجة الثانية من الإبادة الجماعية. اتخذت الخرمية أسماء مغايرة في كل مكان بسبب الذهنية الإبادية هذه، وحتى اضطرت في بعض الأحيان إلى الانسحاب تحت الأرض لتستمر بتأثيرها الثقافي بين المجتمع وفي التمردات.
حتى وان تقرب خسرو والملوك الساسانيين من بعده بمنطق إداري عموما من المعتقدات الدينية مثل المسيحية واليهودية، لكن لم يتخذوا سوى مواقف إبادية وقمعية ضد المزدكية. السبب في ذلك هو الجوهر الكومينالي لهذه التيارات وتشكيلهم البديل للنظام. في حين كانت إيران تطور حركاتها القمعية داخليا على هذا النحو، أعلن دين آخر نصره في البلاد العربية وانتشرت بسرعة كبيرة. حيث توسعت الإمبراطورية الساسانية بقدر المستطاع، ولكن بالرغم من قوتها لم تراقب الأرضي التي توسعت فيها، وفي الأساس لان جذورها تفسخت  وانهارت بالسيف الإسلامي نهائيا في تاريخ 642. استمر الهاربين إلى أواسط أسيا الوسطى من أصول إيرانية بوجودهم من خلال بناء دولة السامانيين، لقد استولت الإمبراطورية الأموية العربية التي تأسست في 661 على أراضي الشرق الأوسط ومن بينها إيران أيضا. وكما هو معلوم عينت إيران نفسها بالجناح الشيعي الإسلامي وأظهرت بشيعة إيران على الساحة. لقد عملت باستخدام العنف لسلمنة الكثير من شعوب المنطقة وفي مقدمتهم الشعب الكردي، واستمرت العشائر والقبائل التي لم تُسلم حتى بالعنف بمقاومتها سرا أو علنا.
في مواجهة تحويل الإسلام إلى أيديولوجية أساسية للدول وأداة قمع بيد المهيمنين، انطلقت تمردات عديدة وفي مقدمتهم القبائل العربية البدوية الرحل الحرة، الذين يمثلون الثقافة العربية. تمحورت وجود هذه التمردات حول الفلسفة الباطنية. ان الباطنية إحدى أنواع الخرمية والتحمت معها. أما الفرق الوحيد بينهما فهو الزمن أي عهد تواجدهما، لان التمردات التي أعقبت  ظهور الإسلام اضطرت إلى حمل زخاريف دينية وإسلامية.
إن المرحلة التي سبقت حكم السلالة العباسية التي تقوت ضد الأمويين، أصبحت مصدر القوة للتمردات. وبرز من بينهم اسم هيداش، واسم خراسان كمركز تمرد. عندما كشف أمر عمار بن يزيد الملقب بـ هيداش المبعوث إلى خراسان من قبل العباسيين الذين نظموا أنفسهم ضد الأمويين بعد عام 725 بتبنيه الخرمية، قتل من قبل والي المدينة. وبعدها قامت عصيانات خرمية صغيرة منها وكبيرة.
استمرت الخرمية كنهج نضالي كومينالي تحرري على مر المئات من الأعوام. من بعد قتل أبو مسلم الخراساني في 4-753 الذي لعب دورا هاما في بناء الدولة العباسية وانهيار الدولة الأموية وإبادة جميع أعوانه بقتل جماعي، أوصلوا الخرميين صوتهم إلى آذان جميع العالم باسم تمرد بابك في الربع الأول من 800.
بابك: روح الشرق الثوري
وصلت حركة الخرمية الممتدة من المزدكية إلى قمتها في مرحلة بابك. ان بابك هو ابن عبدالله الكردي الزردشتي بن ماتار الازرية. كان أباه يبيع غاز القناديل بالتجوال في القرى. أما اسم ماتار فعند الفركيين يعني الأم "آلهة البركة والانجاب". ينبغي القول إلى جانب أهمية المعلومات التي تفيد عن أصل ابوه وامه، فلا يحمل اصله إن كان كرديا او آزريا اهمية، بقدر أهمية قيادته في الحركة الخرمية للشعوب. اخذ الشعب الازري بعد ذلك تمرد بابك أساسا لتحولهم الوطني، ودافعوا عن الكرد ذو الطابع الزردشتي ومقاوماتهم. إن تحلي شعوب المنطقة بروح حماية البعض وعد الآخرين من أبناء جلدتهم، نابع من روح بابك الاجتماعي الحر.
عندما قتل والد بابك أثناء تعرضه لهجمة قطاع الطرق "الناهبين" في جبل سافالان، عملت أمه كمرضعة حتى تربيه. افترق بابك عن أمه من بعد العاشرة من عمره ليعمل راعيا في منطقة تبريز، وبعد ثمانية أعوام من الرعي عاد إلى أمه في قريته. عاش معا في منطقة ميمد قرية بيلاباد. وأثناء هذه الفترة ظهر الخرميون على مسرح التاريخ مرة أخرى. إن عصيان الحركة الخرمية الذي بدا بتاريخ 808 في ازربيجان منطقة بيز كان يقودها جاويدان بن سهل. وحسب ما يروى ان جاويدان ورجاله نزلوا إلى هذه القرية بسبب هطول الثلوج الكثيفة، لكن عندما لم يتلقوا الترحيب من قبل وجهاء القرية، نزلوا إلى بيت ماتار. استقبلت ماتار وابنها بابك الضيوف بخير ترحيب واحترام. ونتيجة ملاحظة جاويدان ذكاء بابك وإتقانه اللغة الإيرانية، طلب منه الانضمام إليهم. وبذلك أخذه إلى مركزه في جبل بيز ورعاه بتعليمه.
من بعد موت جاويدان ضمنت زوجته قيادة بابك الحركة الخرمية. جمعت الخرميون وألقت عليهم كوصية جاويدان الكلمات المدونة التالية:
" ان بابك الشاب يحمل الروح المقدسة لجاويدان الميت. وبهذا سيصبح بابك قائد الجماعة.... سيحيا الدين المزدكي من جديد. وبفضله سيصبح حتى الأكثر دناءة فينا إلى قديسين. وسينتهي ضعفكم."
وعلى أساس ذلك قبل الخرميين بابك كقائدا جديدا لهم وأقاموا له مراسيم تقاليدية مثلما فعلوه لسابقيه من القادة. وتزوجت زوجة جاويدان من بابك وفق العادات الجماعية.
عمل بابك على تجهيز جميع الاستعدادات اللازمة لتقوية الحركة وبدأ في عام 816 بتبليغ برنامجه في منطقة بز. البرنامج بأوضح أشكاله هو بناء حياة تعاونية ومتساوية. إن بناء حياة كهذه كان يعني البدء بنضال تحقيقه في المناطق المتحررة. وعلى أساس ذلك بدأ الخليفة مأمون بتحرك جيشه. لاقت قوات بابك الصعوبة في الهجمة الأولى واضطرت إلى التراجع. ومن ثم استولى جيش المأمون على القلاع الواقعة ما بين اردبيل وزنجان وارتكب إبادة جماعية شعبية هناك. ومن ثم عاد الخليفة مأمون إلى بغداد. من بعدما جمع بابك قوته اهزم والي أرمينيا ازربيجان "ياها ابن معز" عام 820 المكلف من قبل  الخليفة بإنهاء أمر الخرميين. عندما انهزم الوالي الذي جاء من بعده عيسى ابن محمد من بعد عام، استلم علي ابن صادق هذه المهمة. وعندما انهزم هو أيضا، بعث المأمون احمد بن جنيت في هذه المرة. عندما الحق بابك الهزيمة بهذا الوالي وأخذه أسيرا، خاف الجميع ولم يعد هناك أحدا يرغب باستلام مهمة الوالي في هذه المنطقة. بتقديم الخليفة الموصل كرشوة إلى محمد ابن توسي عام 828، أقنعه بخضوع الحرب مع بابك. لكن لم تكن نهاية ابن توسي مختلف عن الآخرين، وحتى انه مات في ساحة الحرب. عندما لم يخاطر علي ابن هشام الذي جاء من بعده بالحرب ضد بابك، اشتبه به الخليفة، وبسبب شكه في الانضمام إلى الخرميين قتله في عام 833.
وفي نفس العام بدأ جناح آخر من الخرميين بالعصيان في أصفهان بقيادة علي مزدك، وعلى أساس الوحدة مع بابك تقدموا صوب ازربيجان. وفي هذه الأثناء هاجم جيوش الخليفة الخرميين بقيادة إسحاق ابن إبراهيم ابن موسب، وفي هذه الاشتباكات قدم الطرفين ضحايا كبيرة وخسائر فادحة من دون هزيمة أحدهما. وبسبب تقاطعهم مع جناح الخرميين في همدان، اضطرت العبور إلى أراضي البيزنطة. أما علي مزدك فعاد إلى أصفهان بقوة تناهز عشرة آلاف شخص. حتى وان كان عام 833 عام الحروب والمعارك، لكن مات الخليفة المأمون من دون إحراز أية نتيجة. واخذ المعتصم مكانه.
كان على الخليفة ان يجد الواليين بنفسه ويكلفهم بالمهمة بسبب الحرب مع الخرميين، لذا فكان الوالي يقمع شعب المنطقة بالضرائب في مناطق تواجدهم، ويشمئزون الشعب بحملات النهب والإبادة الجماعية. كلما زاد الضغط على الشعب ارتفع عدد المنضمين إلى صفوف بابك. انضم الكثير من أبناء الشعوب المضطهدة إلى العصيان وهزوا عرش الخلافة بجدية. حتى وان كان بابك يدير المعارك من مركزه في بز عموما، لكنه انضم بنفسه إلى الكثيرة منها. يتضح من نوعية الجغرافية التي ناضل فيها ومن سجلات ساحات الحرب، بأنه انتصر بنهج الكريلا من خلال استخدام الأراضي الجبلية بشكل جيد في وضع الكمائن وعمليات الهجوم. بأخذ بابك قوته الأساسية من الأكراد، التركمان، الفرس، البدويين، الارمنيين والكورجيين المستائين من الظلم العباسي، خرج منتصرا في اغلب معاركه.
من بعد مجيء المعتصم إلى الحكم في 835، جهز القائد التركي آفاشين من سراياه ضد بابك. آفاشين قمع إحدى التمردات في مصر. وكأحد مميزات الخليفة المعتصم عن غيره هو تلبية جميع الاحتياجات المادية وتقوية العسكر باستمرار وإرسالهم إلى بز.
دارت الحرب على جبهات عديدة واستمرت على مر ثلاثة أعوام. كلما انهزم جيوش آفاشين بعث له الخليفة العدة والعتاد، وفي الأخير نجح في حصار قلعة بز. مقابل حصار القلعة اقترح بابك أخراج شعب المدينة إلى خارج منطقة الحرب بسلام، ولكن علاوة على رفض آفاشين هذا الاقتراح، تقدم بطلب بيان عفو من الخليفة وعلى أثرها سيعفى عنه إذا ما استسلم. كان جواب بابك "لا حاجة لأحد بالعفو"، وبحركة تقسيمية خرق الحصار وتوجه مباشرة صوب الأراضي الارمنية. قتلوا سكان القلعة جميعا بالسيوف ماعدا الذين قبلوا اعتناق الإسلام.
خان الأمير الارمني سهل بن سمبات بابك الدخيل عنده. وأثناء محاولة بابك العبور إلى الأراضي البيزنطية لجمع شمل قواته، ماطله وسلمه هو ومع جميع رفاقه بمؤامرة إلى العباسيين.
"ان ملحمتي من نوع ملحمة لم تبدأ بـ بابك، ولن تنتهي به!"
عند النظر إلى ظروف ظهور بابك، ينبغي ذكر الإمبراطورية العباسية التي لم تتخلف عن الأمويين في أوائل الذين ظلموا الشرائح الشعبية المعارضة. عندما يستذكر عهد العباسيين بالعصر الذهبي للإسلام، كان شعب المنطقة يخفي مخاوفه الكبيرة تحسبا مما ينتظره من حساب وتشويه وانحراف الحقائق. لم تمثل الإمبراطورية العباسية الإسلام، بل مثلت معاداة الإسلام بوقوعها على عكس الميلاد الجوهري للإسلام على مقربة من الأمويين. وبالتالي ينبغي التوضيح وبعناية، ان حركات المقاومة التحررية الكومينالية لم تحارب الإسلام في حقيقتها بل حاربت معاداة -الإسلام. استهدفت مغامرة الإمبراطوريات البادية بالأمويين من استخدام الإسلام لتعريب المنطقة من جانب، والقضاء على ثقافة ميزوبوتاميا القديمة والأناضول، واستمرارية سلطتها في حياة السرايا بمتعة وصفاء من جانب آخر. إن روح العصيان الخرمي الذي يعبر عن حرية الشعوب انبعث على شكل وحدة ثورية ضد معادين الإسلام.
بانتصار العباسيين على الأمويين عام 750، استولوا على الخلافة والسلطة، وأصبحوا مركز الحكم في العالم الإسلامي إلى انهيارهم على يد هولاكو حفيد جنكيز خان عام 1258.
من بعد خلافة الخليفة العباسي الأول أبو العباس التي استمرت أربعة أعوام، استلم دفة الحكم أخاه منصور عام 754، واخذ عاصمة الدولة من الشام إلى بغداد عام 762. شهدت مرحلة حفيد منصور هارون الرشيد في (786-809) على إحدى اكبر السلطنات ترها في التاريخ على حساب جهود ودماء وأرواح الشعوب. وبذلك تكرر مرحلة قصة ألف ليلة وليلة في هذه المرحلة، مثلما حدث في مرحلة الساسانيين. استلموا أبناء هارون الرشيد الأمين، المأمون والمعتصم السلطة  بالتسلسل من بعده، وجعلوا شعب المنطقة يتقيأ دما. كان أم الأمين عربية، وأم المأمون كردية، وأم المعتصم تركية الأصل.
في هذه المرحلة وبالرغم من التمردات الموجودة ضد الحضارة الصينية، إلا ان قسم من الأتراك الممتدين من الشرق الأوسط  أصبحوا عساكر مرتزقة لدى الدولة. وكون أم المعتصم كانت جارية تركية الأصل، استطاعت ان تعقد العلاقات مع هذه الفئات بسهولة. عندما قام المعتصم في عهده ببناء وحدات عسكرية مأجورة خاصة بإدارة التركيين الأصل، فتح الطريق أمام بروز استياء بين صفوف العرب، وبنى مدينة جديدة باسم سامراء عام 836 لتكون هي العاصمة.
إلى حين إعادة العاصمة إلى بغداد، ستُذكر سامراء التي استمرت 57 عاما كعاصمة للعباسيين، مكان مقتل بابك. ستُلعن سامراء المدينة القريبة من سواحل نهر دجلة القريب من بغداد بمقتل قائد شعبي كبير في 4 من شهر كانون الثاني عام 838 في تاريخها.
في حادثة القتل هذه، نظرت سامراء بكل دهشة وحيرة إلى الأطراف والرأس المبتور المستغرق بالدماء، من دون ان تسمع صرخة ألم واحدة. كان بابك هو بطل قائد المقاومة الخرمية الذي قتل ومن دون ولا صرخة واحدة في سامراء.
انتقلت القيادة من جاويدان إلى بابك، وبفضل المرأة التي تزوجها، قبله جمع أعوانه ومؤيديه. ان دل هذا على شيء انما يدل إلى قوة المرأة المتدفقة الغير منتهية. خاب آمال الشعوب والنساء في سامراء، والذين رغبوا في تشويه التاريخ حطموا حقيقة ودور المرأة فيها. لا يمكن اعطاء الخرمية وبابك حقهما، إذا ما تم التغاضي عن دور المرأة في مناهضة هيمنة الرجل الاجتماعية في تلك المرحلة.
شكل انحطاط المرأة وعرضها كسلعة وفي البداية أم بابك "ماتار" الأساس في معتقداته، لان الحياة التي استهدفتها جميع الخرميين، تحمل آثار ثقافة الحياة النيوليتية الكومينالية المتمحورة حول المرأة. هاجم المهيمنين هذه الثقافة والنظام في ذات المرأة.
ان الانضمام إلى العصيانات التي استمرت عشرين عاما، بعث امل الشعوب المقهورة والمسحوقة مجددا في المنطقة، ولكن بسبب بعض الأخطاء والنواقص عاق استمرارية هذا الكفاح العظيم. يمكننا سرد أسبابه على الشكل التالي:
أولا: عدم ابتعادها جذريا عن العلاقات مع الدولة والسلطة في حين دفاعها عن بناء حياة اجتماعية تعاونية متساوية خارجهما، ويبين هذا عدم وجود فرصة نجاح دائمي أيديولوجيا واستراتيجيا ضد النظام. في حين نجاحها تكتيكيا بالاعتماد على الجبال، لكن البقاء في القلعة وحصارها كادت الهزيمة شيئا حتميا.
ثانيا: إذا توحدت ونظمت الحركات والعصيانات الخرمية في المناطق الأخرى، قد كان بمكانهم القضاء على الظلم العباسي.
ثالثا: ان تقاطع مرحلة توسيع الدين الإسلامي وإقطاعيتها مع مرحلة العصيان، خلقت ظروف غير مناسبة وحتى معادية موضوعيا لها.
رابعا: وفق التقييم الإسلامي، استمرت مرحلة الاجتهاد واستطاع النظام ان يبدي قابلية الاستمرار بالمرونة على المستوى الفكري وفق حاجته.
خامسا: مقابل هذا، تقدم بابك بجانبه العملياتي أكثر، بدل من وضع الأسس النظرية والفلسفية للنظام الاجتماعي على نطاق اشمل.
يوضح القائد " عبدالله أوجلان" أسباب عدم وصول جميع التمردات والمقاومات ومن بينها البابكيين إلى نصر نهائي على الشكل التالي: 
"أصبح الإسلام  بجانبه هذا من أحد الإيديولوجيات المتعصبة، حيث زاد هذا التعصب مع مرور الزمن بعد وفاة النبي محمد وتصفية آل البيت، واستلام الأمويين للحكم ومن ثم العباسيين، لقد هيمنت سحب الظلام على حضارة الشرق الأوسط بعد سحق الكثير من الحركات الباطنية التي كانت تمثل الشعب فيما بين القرنين العاشر والثاني عشر، فقد قدمت الحركات الباطنية وفي مقدمتها الخوارج والبابكيين والقرامطة والحشاشين والإسماعيليين التي ظهرت على شكل حركات للطبقة المسحوقة والفقيرة نضالاً إيديولوجياً، وممارسة عملية بنفس الوقت، ومثلت نوعاً من النظام الاشتراكي البدائي وعاشته، ولكن هذه الحركات لم تستطع النجاح بشكل كامل، لأن القوى وعلاقات الإنتاج لم تقم بدورها كالنمط الإقطاعي المطلوب، ولكنها حظيت بمكانة كبيرة في تاريخ النضال لأجل الحرية والمساواة."
كانت الجيوش العباسية لا تعرف للظلم والوحشية حدودا. وفي هذا الوضع أعلن بابك وشعبه خيارهم على شكل " إما الحرية أو الموت". لم تكن ملحمتهم ملحمة الهزيمة، بل ملحمة الحرية مكتوبة على صفحات التاريخ.
وفي النتيجة، خيانة لصديق معروف أودى ببابك إلى ساحة سامراء. فحتى ان مواقف بابك أثناء ذهابه إلى الموت في سامراء لوحدها، تكفي بان تكون ميراث شرف ومقاومة عظيمة مهداة إلى الإنسانية. حتى انه لم يركع أثناء موته أمام الخليفة القائل بإمكانه الخلاص إذا ما اعفي عنه. يذكر سعيد النفيسي في كتابه الذي يُعرف فيها بابك  عن اللحظات الأخيرة لمقتله:
" قال المعتصم لـ بابك عندما جاء إليه: يا بابك، أنت قمت بشيء، لم يقم أحدا على فعله. أما الآن فعليك بالتحمل على ما لم يتحمله احد. أما بابك فقال: ليرى تحملي قريبا. أمر المعتصم بقوله: "اقطعوا يديه أمام عيني". أمر المعتصم بقطع يديه ورجليه أمام عينيه. عندما قطعوا إحدى يديه مسح بالأخرى وجهه بالدم حتى احمر تماما. سأله المعتصم:" أيها الكلب ما الذي تفعله؟ " قال بابك:" ....ان وجه الناس يحمر بدم جسمهم. عندما يتدفق الدم من الجسم يصفر. وعندما ينزف الدم من بدني " لكي لا يقول الشعب" اصفر وجهه خوفا " لونت وجهي بالدم"
" لكي يؤلمه المعتصم أكثر، أمر الجلاد بطعن سيفه قلب بابك من بين آخر العظمين السفليتين لقفصه الصدري. ومن بعد فعلته هذا وبأمر من المعتصم، قطعوا لسانه، علقوا جسمه على الشجرة. اخذوا رأسه إلى بغداد وعلقوه برأس عصا على الجسر، بعدما طافوا به مدن وأحياء خراسان. أما السبب كونه صاحب نفوذ عظيم متجذر في قلب الشعب".
وكلماته الأخيرة...
" أنت أيضا مغالط مثل جميع المستبدين (الحكام الظالمين)، لان ملحمتي ، ملحمة لم تبدأ بـ بابك ولن تنتهي به. أيها البؤساء فلن تفهموا أبدا ماذا تعني لهيب الحرية. انه لهيب مدهش، يحرق قلبك ويحولها إلى رماد. سواء أكانت الحرية حلوة أو مرة، فهي سجدتي الوحيدة! والمستبد يقتلني، هو أيضا لن يفهم أبداً، لن ينتهوا فدائيي الحرية بالموت أبداً..."
مثلما وضح في أقواله الأخيرة، وصل إلينا مثل كمال بير بقوله "لو أعطوا العالم بأكمله فلن أبدلها بالحرية". والتقى مع حبه للحرية كقائدنا الخالد وخالق لمقاومة 15 أب التاريخية الرفيق "عكيد". ان غضبنا المدفون في القبضات المشدودة والعصيان الذي لا يهدأ في قلوبنا، تعطي روحا لنضالنا الحر. وبداخل هذا فروحه هو، يحيا في شعوب الشرق الأوسط وفي مقدمتهم الشعب الكردي بشوقه وحنينه للكومينالية والإرادة الحية.


استملاك المرأة هو أساس كافة العبوديات



ليس مصادفة أن تُبسَط أول سلطة قوية على المرأة بالذات. فالمرأة قوة المجتمع التنسيقي، والناطقة باسمه. وبدون تجاوزها، سيكون محالاً على البطرياركية إحراز النصر.

عبد الله أوجلان 
من الضروريِّ لَفت الأنظارِ جيداً لخاصيةٍ هامةٍ متمأسسةٍ في المجتمعاتِ المدينية، ويمكننا تسميتُها بحالةِ المجتمعِ المعتادِ على السلطةِ والمتآلف معها. إنه أَشبَهُ بإعادةِ تكوينِ المرأةِ بموجبِ تقاليدِ التأنيث  karılaşma، إذ، لا تتأكدُ السلطةُ من وجودِها قبلَ أنْ تَتَحَقَّقَ مِن إعدادِ المجتمع على غرارِ تأنيثِ المرأة. لقد تَمَأسَسَت ظاهرةُ التأنيث كأقدمِ مظاهرِ العبودية، حصيلةَ بسطِ نفوذِ المجتمعِ الجنسوي، بعدَ إلحاقِ الهزيمةِ بالمرأة - الأم وعباداتِها وطقوسها جمعاء بَعدَ صراعاتٍ محتدمةٍ ضاريةٍ وشاملةٍ طويلةِ الأمد على يدِ الرجلِ القوي الجبارِ وحاشِيَتِهِ. ولَربما رسَّخَ هذا النفوذُ المهيمنُ جذورَه في المجتمع حتى قَبلَ اكتمالِ تَطَوُّرِ الحضارة. إنه كفاحٌ عتيدٌ ومتواصلٌ لدرجةِ أنّ ثقافةَ المرأةِ - الأم قد مُحِيَت كلياً من الذاكرة، ولم تَعُد تَتَذَكَّر المرأةُ ما الذي خَسِرَتْهُ وأين وكيف فَقَدَته، وغَدَتْ تَعتَبِرُ الأنوثةَ الخانعةَ المنصاعةَ أمراً طبيعياً. ولهذا السببِ بالذات، لم تُشَرعَنْ أو تُهضَمْ أو تَتَجَذَّر أيةُ عبوديةٍ بقدرِ ما هي عليه عبوديةُ المرأة.
ولهذا التكوينِ نوعان من التأثيرِ الهَدَّامِ على المجتمع. أولُهُما؛ فَتحُ المجتمعِ أمام العبودية، وثانيهما؛ تسييرُ كافةِ أشكالِ العبوديةِ الأخرى تأسيساً على ظاهرةِ التأنيث. فالتأنيثُ ليس موضوعاً جنسوياً محضاً مثلما يُعتقَد، ولا يُعَبِّرُ عن خاصيةٍ بيولوجية. بل إنّ التأنيثَ في جوهرِهِ خاصيةٌ اجتماعية. فجميعُ المواقفِ والسلوكيات التي تُفيدُ برفضِ أخلاقِ الحرية، من قَبيلِ العبودية، الخنوعِ، تَحَمُّلِ وهضمِ الإهانة والاستحقار، البكاءِ، الاعتيادِ على الكذب والرياء، السماجةِ وانعدامِ الطموح، ومنحِ الذات وعرضِها؛ جميعُها تُعتبَرُ مِن مهنةِ الأنوثة الخانعة، وتُشَكِّلُ بجانبها هذا الأرضيةَ الاجتماعيةَ المنحطة، والوسطَ الأصليَّ للعبودية. كما أنها تُعَدُّ الأرضيةَ المؤسساتيةَ التي تتفَعَّل عليها كافةُ ضروبِ العبودية واللاأخلاقية وأقدمُها. والمجتمعُ المديني معنيٌّ ومرتبطٌ بانعكاسِ هذه الأرضية على كافةِ الفئات الاجتماعية. فتأنيثُ المجتمعِ برمته ضرورةٌ حتميةٌ لسيرِ النظام القائم. والسلطةُ تعادلُ الرجولة، إذن، والحالُ هذه، لا ملاذَ من تأنيثِ المجتمع. فالسلطةُ لا تعترفُ بمبدأِ الحريةِ والمساواة، وإلا، فلا يمكنها أنْ تَكُون. بالتالي، فالتشابهُ بين السلطةِ والمجتمعِ الجنسوي جوهريُّ الطابع.
يجب التحدث، وبأهمية بالغة، عن القمع والتبعية التي طبقها العجائز الخبيرون في المجتمع الهرمي على الشبان اليافعين. فهذا الموضوع المدرَج في العلوم الأدبية المسماة بـ"الجيرونتوقراطيا Jerontokrasi"*، إنما هو حقيقة واقعة. لكن، وكيفما تعزِّز الخبرةُ صاحبَها العجوز من جهة، فإنَّ كِبَر سنه يُضعِفه تدريجياً من الجهة الثانية. فرضت هذه الخاصيات على العجائز المسنين أن يُسخِّروا الشبان في خدمتهم. فقاموا بغسل أدمغتهم ليطوروا هذه الآلية، ويربطوا كل حركات الشبان بأنفسهم. تستمد البطرياركية قوة عظمى من هذه الظاهرة. فهم يستثمرون القوى الجسدية الغضة، ليحققوا من خلالها آمالهم وطموحاتهم. استمرت هذه التبعية المحيقة بالشبان حتى راهننا، مع تجذرها المتواصل. ليس من السهل هدم عُلوية وتفوق الأيديولوجيا والخبرة. يتأتى مصدر تطلع الشبيبة إلى الحرية من هذه الظاهرة التاريخية. إذ لا تُزَوَّد الشبيبة بالأقسام الحساسة والحرجة من المعلومات الاستراتيجية. والحال هكذا منذ عهد الحكماء المسنين القدامى، وحتى رجال العلم ومؤسساتهم في راهننا. بل ما يُمنَح إياها ليس سوى معلومات مخدِّرة ومؤمِّنة لسيرورة تبعيتها. وحتى إذا مُنِحَت المعلومات، فلا تُمنَح أدوات تطبيقها. فالتسويف والإمهال الدائم هو تكتيك إداري ثابت لا يتغير. هذا علاوة على أن الاستراتيجيات والتكتيكات وأنظمة القمع والاضطهاد والدعاية السياسية المطبقة على المرأة، سارية المفعول على الشبيبة أيضاً. تنبع رغبة الشبيبة وطموحها الدائم إلى الحرية من حالة القمع الاجتماعي الخاصة تلك، وليس من حدود عمرها الجسدي. أما مصطلحات "الثمِل، السكران، المراهق الغِرّ القليل التجربة"، فهي ألفاظ دعائية أساسية مبتَكَرة للحط من قدر الشبيبة. كما أن ربطها بالغرائز الجنسية على الفور، وجذبها إلى التمرد والعصيان، وإتْباعها بالدوغمائيات الحفظية والمتصلبة؛ يرتبط بعملية إعاقة تَوَجُّه طاقاتها الكامنة نحو النظام القائم، بغرض توطيده وتجذيره. عليّ التذكير ثانية بأن الشبيبة ليست حدثاً جسدياً، بل اجتماعي. طبقاً لما هي عليه المرأة التي تشكل ظاهرة اجتماعية، لا جسدية. وتتمثل المهمة الأولية لعلماء الاجتماع في الغوص في منابع هذه التحريفات المحيطة بهاتين الظاهرتين، وكشف النقاب عنها وفضحها.
هذا ويجب تناول الأطفال أيضاً ضمن هذا الإطار. فمن يأسِر المرأة والشبيبة، يُعتَبَر مُدرِجاً الأطفالَ أيضاً في نطاق نظامه كما يشاء، وإن بشكل ملتوٍ. يحظى تسليط الضوء على الجوانب الانحرافية المفرطة لتقربات المجتمع الهرمي والدولتي إزاء الأطفال بأهمية قصوى. فالعجز عن تدريب الأطفال وتنشئتهم على نحو صحيح وسليم، بسبب تربية الأم، يجعل سياقهم الاجتماعي اللاحق برمته منحرفاً، وضرباً من الكذب والخداع. ويتأسس نظام تعليمي معني بالأطفال، مرتكز إلى القمع والمخادعات الأعظمية. وتُبذَل المحاولات من قِبَل النظام السائد لتطبيق التبعية عليهم بشتى الأساليب المتنوعة، منذ المهد. المقولة التي مفادها "ما تكون عليه في السابعة، هو أنت في سن السبعين"، إنما تشيد بهذه الحقيقة. إذ يُترَك التقرب الحر للمجتمع الطبيعي كمجرد خيال ووهم لدى الأطفال، بحيث لا يُؤذَن لهم إطلاقاً بإحياء خيالاتهم تلك. إن تنشئة الأطفال وفقاً للخيالات الطبيعية من أسمى المهام وأنبلها.
لا يمكن رؤية اكتساب العلاقة البطرياركية للقوة بعين الضرورة الحتمية. علاوة على أنها ليست انطلاقة شفافة، وكأنها من دواعي القانون. بل تستلزم هذه العلاقة التركيز عليها بدقة وعناية، باعتبارها تشكل المرحلة الأساسية على الدرب المؤدية إلى التمايز الطبقي والتدوُّل. إن كون العلاقات الملتفة حول المرأة الأم على شكل تعاضد منسق ومنظم، أكثر مما تكون علاقة قوة وسلطة؛ إنما يتطابق مع جوهر المجتمع الطبقي، ويتواءم وإياه. وهي لا تشكل انحرافاً، كما أنها منغلقة إزاء سلطة الدولة. وانطلاقاً من تكوينتها التنسيقية التنظيمية، فهي لا ترى حاجة للجوء إلى العنف أو الرياء. توضح هذه النقطة أيضاً أسباب كون الشامانية ديناً ذكورياً. وإذا ما تفحصنا الشامانية عن كثب، سندرك أنها مهنة يغلب عليها إظهار القوة والتضليل. حيث تُجهَّز القوة والميثولوجيا بدقة حاذقة، بغرض السلطة التي سيتم بسطها بمكر ودهاء على شفافية المجتمع الطبيعي. ويغدو الشامان امرؤً يتجه ليكون راهباً ورجل دين. وتتجه العلاقات مع الأسلاف المسنين إلى تكوين التحالف معهم. ذلك أنها بحاجة ماسة لرجال الصيد الأشداء في سبيل بسط الهيمنة التامة. وتكون المجموعة الأكثر ثقة واعتداداً بقوتها وكفاءاتها هي القابلة للتحول إلى النواة العسكرية الأولى. وتتراكم القيم والمهارات تدريجياً في يد هذا الثلاثي. وتُفرَّغ أطرافُ المرأة الأم رويداً رويداً، بكل مكر ودهاء. ويدخل النظام الأهلي دائرة الرقابة بالتدريج. فبينما كانت المرأة تمثل القوة المؤثرة على الرجل، وصاحبة القول الفصل؛ تندرج بعدئذ – وبالتدريج – تحت نفوذ السلطة الجديدة.
ليس مصادفة أن تُبسَط أول سلطة قوية على المرأة بالذات. فالمرأة قوة المجتمع التنسيقي، والناطقة باسمه. وبدون تجاوزها، سيكون محالاً على البطرياركية إحراز النصر. بل وأبعد من ذلك، لن تنتقل إلى مؤسسة الدولة. لذا، فتخطي قوة المرأة الأم يحظى بأهمية استراتيجية. وبموجب المعطيات والمعلومات التي بين أيدينا، ندرك أن تلك المرحلة شهدت مشقات عصيبة للغاية، تماماً مثلما شوهد في الدلالات والبيِّنات السومرية. ما ينعكس على الديانات التوحيدية هو أن عامل المرأة الممثَّلة في "ليليت – حواء" يصوِّر سمات تلك المرحلة بأكثر الأشكال لفتاً للنظر. فبينما تكون "ليليت" المرأة الأبية التي لا تخنع، تصوِّر "حواء" المرأة المستسلمة. ووصل الأمر مرتبة غدت فيها مزاعم خلق المرأة من ضلع الرجل معياراً تقاس به تبعيتها. ومن جانب آخر، فإغداق المرأة بالكثير من اللعنات والافتراءات (ممثَّلة في ليليت)، ونعتها بالجنّيّة الشريرة والمومس، وبرفيقة الشيطان وغيرها مما شابه من الشتائم والمسبات الكبرى الموجودة؛ كل ذلك برهان قاطع على وجود احتدامات ومنازعات ضارية آنذاك، ومؤشر على تلك الثقافة والأفكار والعقائد التي سادت آلافاً من السنين. 
لا يمكننا استيعاب السمات الأولية لثقافة المجتمع الذكوري المهيمن اللاحق لتلك المرحلة، أو تفهمها على نحو صحيح، ما لم نحلل الانقلاب الاجتماعي الحاصل إزاء المرأة. وحينها يستحيل حتى التفكير بكيفية حصول التكون الذكوري الاجتماعي أيضاً. وبدون إدراك التكون الاجتماعي للرجل، من المحال تحليل مؤسسة الدولة، أو صياغة تعريف سليم لثقافة "الحرب" و"السلطة" ارتباطاً بالدولة. إن الدافع وراء تركيزنا المكثف على هذا الموضوع هو تسليط الضوء على حقيقة الشخصيات الربانية (الإلهية) الفظيعة، وعلى كل حدودها واستعماراتها ومذابحها المرتكبة؛ والتي لم تكن سوى حصيلة لكافة التمايزات الطبقية الظاهرة بعد تلك المرحلة. فإذا ما نظرنا إلى لعنة الإنسانية (السلطة السياسية، الدولة) بعين براديغمائيتها المقدسة، ستتحقق حينها أقذر ثورة مضادة للعقلية الإنسانية. وهذا ما حصل فعلاً. أما تسمية ذلك بالمؤثر الضروري لأجل التقدم، فتُعَد أخطر الثورات المضادة، بما فيها الماركسية أيضاً. لذا، إنْ لم نمرِّر التاريخ من مصفاة النقد بشكل أكيد، ولم نصحح مساره من هذه الزاوية؛ فإن أية ثورة ستقوم، لن تنجو من التحول إلى ثورة مضادة، وخلال فترة وجيزة. 
مع انهيار عالم المجتمع الطبيعي للمرأة أولاً، ومن ثم الشبيبة والأطفال، وتأسيس الهرمية المعتمدة على القوة والخداع (الميثولوجيا)، وتسليطها عليهم؛ يتحول ذلك إلى شكل مهيمن للمجتمع الجديد. في حين يتزامن ذلك مع تصاعد ثورة مضادة جذرية أخرى، حيث تبدأ مرحلة التضاد مع الطبيعة، والتوجه نحو تدميرها وتخريبها. إن الاعتقاد باستحالة العيش والتطور من دون وجود أنموذج القتال وممارسة الصيد، ليس بفرضية ذات أصل. فالحيوانات غير المتغذية على اللحوم أكثر عدداً بآلاف الأضعاف من تلك التي تقتات على اللحوم. أي أن عدد الحيوانات آكلة اللحوم قليل جداً. وإذا ما تمعنا في أغوار الطبيعة، سنجد أن غطاء وفيراً من الأعشاب والنباتات تَكَوَّن أولاً لتلبية احتياجات الحياة الحيوانية. والتطور الحيواني هو محصلة للتطور النباتي. هكذا هي العلاقة الجدلية. ذلك أنه ما من وجود لحيوان يأكله الحيوان الأول الظاهر. فهو يقتات على الأعشاب. إذن، يتوجب النظر إلى التغذية على اللحم بعين الانحراف. فلو أكلت كل الحيوانات بعضها بعضاً، لما تكوَّن نوع حي منها. إنه تطور مناقض ومنافٍ لقوانين التطور الطبيعي. تظهر الانحرافات من الميول الأساسية المتواجدة في الطبيعة في كل الأزمان، ولكن إذا ما عملنا على اعتبارها أساساً، وأسقطناها على نوع ما في الطبيعة، فسينقرض ذاك النوع وينضب. والتعبير الأكثر إشادة بهذه الظاهرة – بشرط ألا يكون اجتماعياً – هو الحالة المعاشة في الذين يتميزون بجنسية ثنائية (أخنث). فإن أضحى جميع الناس أخناثاً، أي ذوي جنسية ثنائية (وهذا ما يعني ممارستهم علاقة اللواط)؛ فسينضب نسل الإنسان تلقائياً. إن هذا التعليل المقتضب كفيل بما فيه الكفاية للإشارة إلى التشوه والضلال الناجم عن التطور الاجتماعي المرتكز إلى ممارسة الصيد والقتال. لثقافة القتل نتائج معنوية أشد وطأة مما هي عليه من الناحية المادية.
فالجماعة التي تحوِّل قتل الحيوانات وأبناء جنسها إلى طراز في حياتها – عدا الدفاع الاضطراري عن الذات – ستقوم بتأسيس كل أنواع الأنظمة الآلاتية أو المؤسساتية في سبيل تطوير آليات الحرب. ولدى إعداد الدولة كقوة أساسية، ستُختَرَع سهام الحرب، ورماحها وفؤوسها، وستُطوَّر على أنها أثمن الأدوات والوسائل. إن تطور المجتمع الأبوي من أحشاء المجتمع الأمومي الطبيعي، وتناميه كأخطر انحراف في التاريخ، إنما يعبر عن مضمون أشكال القتل والاستعمار الفظيعة الممارسة على مر التاريخ وحتى راهننا. هذا التطور، دعك من أن يكون قدراً محتوماً أو شرطاً ضرورياً لأجل التقدم، بل هو انحراف وضلال، بكل ما للكلمة من معنى. إنه أشبه بمَلَكية الأُسُود. كما يشبه الجدلية القائمة بين الأفعى والفأر. إنَّ نعت نظريات الدولة – منذ هذه اللحظة – بنظرية "الأفعى – الفأر" سيكون تفسيراً أدنى إلى الصواب. فأغلب الرجال تكون كنيتهم "الأسد"، حيث ثمة تَحَسُّر وتَوق كبير لأن يكونوا كذلك. ولكني أتساءل: "كي يفترسوا من؟".
يمثل التنظيم العسكري الذروة التي تبلغها ثقافة الصيد والحرب. ويتطور هذا التنظيم كلما تبعثر المجتمع الطبيعي والإثني. وبينما يُطوِّر التنظيم الملتف حول المرأة الأم علاقات النَّسَب والجِينات والقرابة، يتخذ التنظيم العسكري من الرجال الأشداء المنقطعين عن هذه العلاقات أساساً له. وغدا يقيناً أنه ما من شكل للمجتمع الطبيعي يمكنه الوقوف في وجه هذه القوة، حيث تدخَّل العنف الاجتماعي – يمكن تسميته أيضاً بالعلاقة المدنية – في العلاقات الاجتماعية. والقوة المعيِّنة هي أصحاب العنف. هكذا تُفتَح الطريق أمام المُلكية الخاصة أيضاً. يمكن الاستيعاب أن العنف يتخفى في أساس المُلكية. والاستيلاء بالعنف وسفك الدماء، يعزِّز عاطفة الـ"أنا" بشكل مفرط. إذ لا يمكن تطوير وسائل العنف وتطبيقها، دون وجود التحكم والهيمنة على العلاقات. أما الهيمنة والتحكم، فمنوطان بدورهما بالتملُّك. وهي علاقة جدلية. والتملك هو لُبُّ كل الأنظمة المُلكية. شُرِعَت الأبواب أمام مرحلة يُنظَر فيها بعين المُلك للجماعات والمرأة والأطفال والشبيبة، ولمناطق الزراعة والصيد المعطاءة أيضاً. ويقوم الرجل القوي بانطلاقته الأولى بكل هيبته وجبروته. بقي القليل على تحوله إلى الإله المَلك. وما برح الشامانيون الرهبان يشرفون على الشؤون لتكوين ميثولوجيا العهد الجديد. وما يلزم عمله هو، ترسيخ هذا التكوين الجديد في عقل الإنسان المستحكَم على أنه تطور عظيم ومهيب. فحرب إضفاء المشروعية عليه، تستلزم تفنُّناً ومهارة في الجهود، بقدر تطلبها العنف الفظ بأقل تقدير. يجب توطيد عقيدة في عقل الإنسان، وكأنها القانون المطلق. كل المعطيات السوسيولوجية تشير إلى أنه تم بلوغ مصطلح "الإله الحاكم" في هذه المرحلة.  لم يكن ثمة علاقة تحكم في العقيدة "الطوطمية" المرافقة للمجتمع الطبيعي. فهي علاقة مقدسة ومسَلَّم بها كرمز للكلان. وكيفما تكون حياة الكلان، هكذا يُصوَّر اصطلاحها الرمزي. لا يمكن التفكير بإمكانية العيش دون الامتثال الصارم لحياة وضوابط التنظيم الكلاني. وبالتالي سيُعتَبَر الطوطم مقدساً ومحصَّناً، باعتباره التصوير الأسمى والأرقى لوجود الكلان، ويجب احترامه وتبجيله. أما المادة التي يتكون منها، فيتم اختيارها من أكثر أنواع الحيوانات أو النباتات أو الأشياء نفعاً. فأي مادة في الطبيعة تزوِّد الكلان بالحياة وتؤمِّنها له، سيُعتَقَد بها، وستُعتبَر رمزاً (طوطماً) لذاك الكلان. وهكذا فديانة المجتمع الطبيعي في تكامل واتحاد مع الطبيعة. وهي ليست مصدر خوف أو ورع، بل عامل تعزيز وتوطيد، تُكسِب المرءَ الشخصية وتمده بالقوة. 
في حين أن الإله المُعلى من شأنه في المجتمع الجديد تخَطَّى الطوطم وموَّهه. فقد بُحِث له عن مكان يقطنه في ذرى الجبال، وقيعان البحار، وفي كبد السماء. وبدأ الحديث عن القوة الحاكمة. كم يشبه ذلك طبقة الأسياد المتولدة حديثاً! فأحد أسماء الإله في كتاب "العهد القديم" – وبالتالي في الإنجيل والقرآن – هو "الرب"، أي السيد. أي أن الطبقة الجديدة تنشأ وهي تؤلِّه ذاتها. ومن الأسماء الشهيرة الأخرى "أل، ألوهيم"، ويعني "العلو". وهو يُبَشِّر بالسَّلَف (أو بالشيخ) المتسامي على قبائل الصحراء.  تتسم ولادة البطرياركية (نظام السلطة الأبوية) وولادة الإله الجديد بتداخل مثير للغاية، في كافة الكتب المقدسة. هكذا هي الحال في "إلياذة" هوميروس، وفي "رامايانا" الهند، وفي "كالاوالا" الفينليين. وبدون تأمين مشروعية المجتمع الجديد وتوطيدها في العقول، من الصعب له أن يجد فرصته في الحياة. ذلك أنه من المحال إدارة أية وحدة في المجتمع الموجَّه، ما لم يتم إقناعها بالمطلوب. فتأثير العنف في شؤون الإدارة لحظي، ولا يؤمِّن القناعة الراسخة. ومثال السومريين في التاريخ مثير حقاً، ويستحق التمحيص والتدقيق، لتضمنه ذلك كأول أصل مدوَّن في حوزتنا. فخلْق الإله لدى السومريين خارق للغاية. نخص بالذكر هنا انهيار الإلهة الأم، ونفوذ الإله الأب محلها، حيث يشكل صُلْب كافة الملاحم السومرية. فالصراعات المضطرمة بين إينانا وأنكي، بين ماردوخ وتيامات، تحتل مكانها في ملاحمهم، من البداية وحتى النهاية. والإمعان السوسيولوجي في هذه الملاحم، التي انعكست على جميع الملاحم والكتب المقدسة اللاحقة؛ يزودنا بمعلومات عظمى. ليس هباء أن يتم البدء بالتاريخ من السومريين. فتحليل الأديان، الملاحم الأدبية، القانون، الديمقراطية، والدولة اعتماداً على لوحات ولُقى السومريين المدوَّنة؛ قد يكون أحد الدروب الأقرب إلى الصواب، والمحفِّزة على إحداث الانطلاقة اللازمة لعلم الاجتماع. ربما تُعَد هذه الثورة المضادة، التي أقامتها العقلية الأبوية السلطوية، أكبر تحريف وتضليل شهده التاريخ. فقد أوغل الإنسانُ جذوره في عقلية المجتمع لدرجة لا نفتأ اليوم عاجزين حتى عن التفكير بتخطي تأثيراتها. الرهبان السومريون لا يزالون يحكموننا. فمؤسسات الدولة التي أوجدوها، والآلهة التي صوَّروها وكوَّنوها كتعابير مشروعة، لا تنفك تحكمنا اليوم بهيبة لا يسعنا فتح عيوننا أمامها. وتتحكم بوجهات نظرنا وبراديغمائياتنا الأساسية كلها. وكأن مقولة "آلبرت آينشتاين": "إن قوة التقاليد والعادات تضاهي ما يلزم لتفكيك الذرّة" قيلت بشأن هذه العلاقات على الأرجح. أفلا تستمر أضرس أشكال الحروب والاستعمار، بما لا تعرف السكون ولا الهوادة، وبما لا يتطابق وأي معيار إنساني، منذ ذاك الوقت وحتى الآن، في العراق، بلاد ما بين الرافدين دجلة والفرات، مهد الدولة وموطن الزقورات، وقصور الرهبان السومريين المقدسين! أَوَليست تلك المقولة تشيد بذلك؟ إذن، دعك من أن يكون المجتمع الأبوي السلطوي وتدوُّله لخير البشرية وصالحها، إنه أكبر بلاء مسلَّط عليها. فهذه الوسيلة الجديدة ستدمر ما حولها كي تكبر وتتضخم، كالكرة الثلجية حيناً، وكالكرة النارية أحايين أخر؛ لتحوِّل كوكبنا الأقدس على الإطلاق إلى حالة لا يطاق المكوث فيه. يشبِّه كتاب "العهد القديم" ظهور الدولة بظهور "اللوياثان"* من أعماق البحر. وهذا ما مؤداه أن الكتاب المقدس قد ثبَّت أعظم حقيقة، في جانب من جوانبه. ويتم التطرق فيه على الدوام إلى المخاوف الكبرى للتغلب على "اللوياثان"، فيقول: إذا لم نتحكم به ونكبح جماحه، فسوف "يفترس الجميع!".
حسبَ رأيي، سيَكُونُ مِن الأنسبِ إطلاقُ تسميةِ المجتمعِ المشاعيِّ – الأمومي على هذه السلسلةِ المتواصلةِ من المراحل، التي طالما سَمَّتها أغلبُ العلومِ الاجتماعية بالنظامِ المشاعيِّ البدائي، أو العصرِ الحجريِّ القديم، أو العصرِ الحجريِّ الحديث، أو بالنظامِ الوحشي. إنها حقبةٌ تَكادُ تَحتَلُّ 99% من مجموعِ سلسلةِ حياةِ المجتمعِ البشري. يجب عدم الاستخفافِ بها البتة. ومقابلَ تراكمِ فائضِ الإنتاجِ والقِيَمِ الثقافيةِ الأخرى في أحشاءِ المجتمعِ المشاعي الأمومي، لن يَكُونَ من العسيرِ استخلاصُ النتيجةِ القائلةِ بأنّ الرجلَ القويَّ الماكرَ والمتجولَ دائماً في أطرافِ ذاك المجتمعِ عَاطِلاً، فيما خلا بعض جولاتِ الصيد المظفر، والتي تمده بالقوةِ تدريجياً؛ قد تَوَجَّهَ نحوَ النزوعِ لِبَسطِ أولِ هيمنةٍ على هذا النظامِ الاجتماعي. وثمةَ الكثيرُ من المَعالِمِ الأنثروبولوجيةِ والسجلاتِ الأثريةِ والملاحظاتِ والمقارَناتِ ووجهاتِ النظرِ التي تُرَجِّح كفةَ هذا الاحتمال.
كما تَطَرَّقنا بِكَثرة إلى التكوينِ ذي الطابعِ الرجولي الغالب على المجتمعِ الأبوي البطرياركي، والمؤلَّفِ من الشامان + الشيخِ العجوز المُجَرِّب + القائدِ العسكري. من الأصحِ البحثُ في هذا التطورِ الحاصلِ عن نموذجٍ أوليٍّ لشكلِ المجتمعِ الجديد. قَصَدُنا بالمجتمعِ الجديد هو حالةُ اكتسابِ الكلانِ للهرمية. وإفساحُ الهرميةِ الطريقَ أمامَ التحولِ الطبقي الراسخِ وتنظيمِ نمطِ الدولةِ الوطيد قد حسم هذا الانقسام. واضحٌ جلياً أنّ المجتمعَ المتعرفَ على الطبقةِ والدولةِ قد غَيَّر ماهيتَه. والديناميكيةُ الأساسيةُ في هذا التغيير هي إخراجُ فائضِ الإنتاجِ من كَونِه هدايا وعطايا، وتَبضِيعُه كسلعٍ للمقايضة، وجعلُه موضوعَ بيعٍ وشراءٍ في السوق. ومع دخولِ ثالوثِ السوقِ – المدينة – التجارة حَيِّزَ التنفيذِ كعنصرٍ ثابتٍ في المجتمع، تَسارعَت وتيرةُ التدولِ والتحولِ الطبقي وتضاعفَت. لن أُكَرِّرَ ثانيةً كيفيةَ جريانِ هذا التطور في الظروفِ الزَّمَكانية، نظراً لأننا عالجنا ذلك مِراراً. وعلى صعيدِ الشروحِ المتباينة، سَعَت مختلفُ العلومِ الاجتماعية للردِّ على هذا المجتمعِ الجديدِ بإطلاقِ العديدِ من التسمياتِ والاصطلاحات عليه، من قَبِيل: المجتمع الطبقي، مجتمع المدينة، المجتمع الدولتي، والمجتمعات العبودية، الإقطاعية، والرأسمالية. حسبَ رأيي، سَيَكُونُ من الأنسبِ تسمية تلك المراحلِ بـ"المجتمع المديني"، والاختزالُ أكثر وتسميتُها بـ"المدنية"؛ نظراً لأنّ الطبقيةَ والمدنيةَ والدولتيةَ ميزاتٌ بارزةٌ وراسخةٌ فيها، ولأنها نُعِتَت بالأغلب بصفاتِ "الحضارة" و"المدنية".
ينبغي ألا نَغفلَ عن أننا عندما نقولُ المدنية، فلا نُفَسِّرُها على أنها تعني السموَّ والتقدمَ على صعيدِ أخلاقياتِ المجتمع، بل ننعتها بماهيتِها الأساسيةِ المتمثلةِ في انحطاطِ الأخلاقياتِ وقمعِها. فالمجتمعُ المديني يعني السقوطَ المتهاويَ نِسبةً إلى أحكامِ القِيَمِ الأموميةِ المشاعية القديمة، أي نسبةً إلى مفاهيمِها الأخلاقية. وتَبرزُ هذه العلاقةُ بأسطعِ أشكالِها في اللغةِ السومرية، التي نَعلَمُ أنها اللغةُ الأقدم. فمفردةُ أمارگي Amargi تعني الحرية، وتعني العودةَ إلى الأمِّ والطبيعةِ على السواء. إنّ التعادُلَ المتطابقَ المُكَوَّنَ بين الأمِّ والحريةِ والطبيعةِ يشيرُ إلى وعيٍ سليمٍ ملفتٍ للنظر. فالمجتمعُ السومري، الذي يتعرفُ على المجتمعِ المديني لأولِ مرة، يشيرُ بكلمةِ أمارگي إلى حنينِه وشوقِه إلى المجتمعِ القديم الذي لم يَبتَعِد عنه كثيراً، أي المجتمعِ المشاعي الأمومي. إنّ متابعةَ هذا الانقلابِ الاجتماعي ضمن الأصل السومري أمرٌ ممكن، بل ومُنَوِّرٌ وملفتٌ للأنظار للغاية.