إبراهيم غرايبة
لماذا تخفق البلاد
الأشد فقرا في العالم؟ وما الذي يمكن عمله حيال ذلك؟ لماذا تضع الدول الأشد فقرا في
العالم العراقيل في وجه محاولات المجتمع الدولي لمساعدتها؟ لماذا يبدو أنه ليس باستطاعة
أي أحد مهما كان أن يحقق تغييرا في الأوضاع القائمة؟ بهذه الأسئلة وغيرها يحاول المؤلف
أن يسلط الضوء على قضايا الفساد والاضطرابات السياسية، وطريقة استخدام الثروات في دراسة
الفقر في العالم وبخاصة في المناطق الأشد فقرا، معتبرا أن جوهر مشكلة الفقر متصل بالمعركة
المستعرة بين قادة الفساد وأدعياء الإصلاح، ويستعرض عوامل أخرى مؤثرة، مثل الحروب الأهلية،
والاعتماد على تصدير الثروات الطبيعية، والافتقار إلى الحكومة الرشيدة، مما يؤدي إلى
وقوع البلاد في فخ التخلف الاجتماعي والتراجع الاقتصادي.
وينظر كوليير إلى
الأسباب التي جعلت المساعدات التقليدية عاجزة عن معالجة هذه المشكلات، ويضع خطة عمل
تتضمن جدول أعمال جديدا لمجموعة الدول الثماني تتبنى معايير مناهضة للفساد أكثر فاعلية
وسياسات تجارية تفضيلية، وتدخلا عسكريا مباشرا إذا اقتضت الضرورة. كل هذه المبادرات
صممت لمساعدة المليار نسمة المنسيين تحت خط الفقر.
ويلاحظ المؤلف
أن كل الناس الذين يعيشون في بلاد المليار نسمة الذين يعيشون تحت خط الفقر تعرضوا لحروب
أهلية (73 في المائة) ويعيشون في بلاد تتحكم فيها سياسات عائدات الموارد الطبيعية
(29 في المائة) ويعانون من شح الموارد والجيرة السيئة (30 في المائة) وخضعوا (76 في
المائة) لعهود طويلة من الحكم السيئ والسياسات الاقتصادية الفاشلة.
ويعمل المؤلف بول
كليير أستاذا لعلوم الاقتصاد، ومدير مركز دراسات الاقتصادات الإفريقية في جامعة أكسفورد،
وعمل سابقا مديرا لمركز أبحاث التنمية التابع للبنك الدولي، ومستشار هيئة متخصصة في
الشؤون الإفريقية، تابعة للحكومة البريطانية.
ما القضية؟ السقوط
إلى الخلف والسقوط بعيدا
يرى المؤلف أن
تحدي التنمية على مدى 40 سنة يتمثل في وجود عالم غني يتألف من مليار نسمة في مواجهة
عالم فقير يعد أهله خمسة مليارات، والواقع أن نسبة كبيرة من العالم النامي اليوم تنمو
وتتطور تطورا حقيقيا، وبسرعة مذهلة في أغلبية الأحيان، ويكمن التحدي الحقيقي على صعيد
التنمية في أن مجموعة من البلاد التي تعيش تحت خط الفقر تسقط إلى الخلف، بل تسقط بعيدا
في معظم الحالات، فهذه البلاد القابعة تحت خط الفقر، وإن كانت تعيش في القرن الحادي
والعشرين، فإنها تنتمي واقعيا إلى القرن الرابع عشر: حروب أهلية وكوارث وجهل.
ليس الفقر فخا
فعليا وحقيقيا - يقول المؤلف - وإلا كنا لا نزال جميعا فقراء، فلماذا لا تزال بعض المجتمعات
فقيرة؟ بالطبع ثمة إجابتان تقليديتان مختلفتان، الأولى لليمين الذي يؤكد أن أي بلد
يتبنى سياسات جيدة يستطيع أن يتخلص من الفقر، وفي المقابل يميل اليسار إلى الاعتقاد
بأن فخ الفقر موجود في صلب الرأسمالية العالمية وفي طبيعتها.
يرى المؤلف أن
التنمية الفاشلة وقعت في أربعة فخاخ: الصراع والموارد الطبيعية، والجيران السيئون،
والحكم السيئ، ولذلك فإنه يركز على هذه القضايا الأربع، باعتبارها العقبات الرئيسية
أمام التنمية ومصدر الفقر والتخلف.
كيف تتصرف بلاد
المليار نسمة الذين يعيشون تحت خط الفقر؟ يبلغ متوسط الأعمار في تلك البلاد 50 عاما،
في حين أن متوسط الأعمار في دول نامية أخرى هو 67 عاما، وتبلغ نسبة الأطفال الذين يموتون
قبل بلوغهم سن الخامسة من العمر 14 في المائة، وهي في الدول النامية 4 في المائة، وتراجعت
نسبة النمو فيها عن باقي الدول النامية بمعدل 2 في المائة سنويا، وازداد معدل الانخفاض
ليصل إلى 4.4 في المائة في التسعينيات، ثم اقترب في العقد الأول من هذا القرن من 5
في المائة، واستطاعت الهند والصين أن تتحررا من فخاخ التنمية وأن تشاركا في الاقتصاد
العالمي بنجاح وفاعلية، وتحققا معدلات نمو واسعة ومطردة.
فخ الصراع
تقع مشكلة الصراع
- في تقدير المؤلف - في بلاد المليار نسمة الذين يعيشون تحت خط الفقر في إدارة الصراع
وليست متعلقة بالصراع السياسي نفسه، فقد خبر نحو 73 في المائة من شعوب مجتمعات المليار
فقير حروبا أهلية، وبعضهم ما زال يعيش فصولا منها، ويلاحظ المؤلف أن خطر نشوب حرب أهلية
يكون عاليا في البلدان ذات الدخل المنخفض، وهنا يدور سؤال: هل الحرب هي التي تؤدي إلى
إفقار بلد بعينه، أم أن الفقر هو الذي يؤدي إلى النزوع نحو الحرب؟ في الواقع كلا الأمرين
متزامنان، ويؤدي أحدهما إلى الآخر، يجيب المؤلف: فبينما تؤدي الحرب إلى تدهور الدخل،
فإن انخفاض الدخل يزيد في الحقيقة من خطر اندلاع حرب أهلية، والأمر الآخر الذي يدفع
بلدا معينا إلى الحرب الأهلية هو الركود الاقتصادي أو تدهور الاقتصاد، وتتراجع نسبة
اندلاع الحروب مع ازدياد النمو الاقتصادي.
ويجادل المؤلف
بأن رد الحروب إلى الصراعات العرقية والإثنية ليس صحيحا، وإن أخذت الحروب طابعا عرقيا
أو طائفيا، ولكن ثمة دول كثيرة ذات تعددية عرقية استطاعت أن تحقق السلام والتعايش،
وبلاد تتميز بنقاء عرقي مثل الصومال دخلت في حروب أهلية طاحنة.
وفي نيجيريا في
منطقة الدلتا بالتحديد حيث يوجد تمرد واسع، أظهرت دراسة مسحية أن معظم المشاركين في
التمرد لا ينتمون إلى الأسباب التقليدية للتمرد هناك (الشركات الأجنبية، وبيئة السرقة
والمخدرات، والاضطهاد، وإعدام الناشط السياسي كن سارو)، ولكن المسح أظهر أن معظم المشاركين
في التمرد هم من فئة الشباب غير المتعلمين والعاطلين عن العمل .. ولكنهم يقاتلون كما
يظهر لأجل العدالة الاجتماعية!!
وكثير من تكاليف
الصراع تدفعه الدول المجاورة، 95 في المائة من الإنتاج العالمي من المخدرات يأتي من
دول تشهد صراعات، ومن المحتمل أن مرض الإيدز انتشر في العالم عبر حرب أهلية إفريقية.
فخ الموارد الطبيعية
تبدو الثروة الطبيعية
حافزا لتأمين الازدهار والرخاء، وهذا ما يحدث في بعض الأحيان، ولكن بلاد المليار فقير
فقرا مدقعا تبدو استثناء من القاعدة، فقد أسهمت ثروة الموارد الطبيعية في إنعاش الصراع
والفقر، وحتى في حالات السلام فقد فشلت هذه الدول في توظيف الثروة لأجل الحصول على
النمو المطلوب.
تبدو الموارد الطبيعية
في هذه البلاد وكأنها لعنة، فقد حظيت نيجيريا - على سبيل المثال - بثروة نفطية هائلة،
ولكن الحكومة حولتها إلى فاجعة باقتراضها مبالغ ضخمة، وتبدد الأموال وإتلافها في مشاريع
فاسدة.
الجيران السيئون
يلاحظ الخبير الاقتصادي
جيفري ساش أن الجيران السيئين لبلد ما يعطلون فرص نموه بنسبة 50 في المائة، فـ
"بوتسوانا" البلد الإفريقي استطاع أن يحقق أسرع نسبة نمو اقتصادي على مستوى
العالم لفترة طويلة من الزمن، ولكن احتباس البلد وسط جيران سيئين جعله غير قادر على
الاستفادة كثيرا من نموه الاقتصادي، وفي المقابل فإن سويسرا تعتمد في صادراتها ووارداتها
على بنية تحتية إيطالية وألمانية قوية، وهذا ما ساعدها على تحقيق تقدم اقتصادي كبير،
ولم تستطع يوغندا تصدير منتوجاتها من الخشب بفعالية بسبب رداءة الطرق والصراعات والحروب
في الدول المجاورة لها. ويقترح المؤلف هنا ثماني استراتيجيات للدول التي تعاني من جيرانها،
الاستفادة من نمو دول الجوار، وإدخال تحسينات على السياسات الاقتصادية لبلاد الجوار،
وإدخال تحسينات على حرية الوصول إلى السواحل، أن يتحول البلد إلى ملاذ إقليمي للخدمات
المالية والاستثمارية والتجارية، كما فعلت لبنان على سبيل المثال، وتطور خدمات النقل
البديلة مثل النقل الجوي، وتشجيع تحويل الأموال، وإنشاء بيئة ودية وشفافة فيما يتعلق
بالتنقيب عن الثروات والموارد الطبيعية، والتنمية الريفية، واستقطاب المساعدات.
حكم سيئ في بلد
صغير
تستطيع الحكومة
السيئة والسياسة الاقتصادية الخاطئة أن تنسف اقتصادا برمته، والحكومة والسياسة والجيدتان
تستطيعان الإفادة من الفرص المتاحة، بيد أنهما غير قادرتين على توليد فرص لا وجود لها
على أرض الواقع.
هل تغير الدول
المتخلفة مسارها طوعا؟ يتساءل المؤلف، ويجيب بأن التغيير يتطلب شجاعة، ويقف خلف التغيير
ممن قرروا أن يبذلوا كل ما يستطيعون في سبيل إحداث تغيير ما، والتغييرات التي يكتب
لها النجاح قليلة وليست شائعة، ويقترح المؤلف مجموعة من الشروط لإحداث التغيير الإيجابي
المطلوب. تعتمد فرص التحول الإيجابي على عدد السكان فتكون حظوظ الدولة أكبر في إحداث
تحول مستدام كلما كان عدد سكانها أكبر، ونسبة عالية من التعليم الثانوي، ويجب أن تكون
القوة الدافعة للتغيير قادمة من داخل المجتمع نفسه.
هل تهدف العولمة
إلى الإنقاذ؟
إن تأثيرات العولمة
على اقتصادات البلاد النامية تنشأ عن ثلاث عمليات واضحة المعالم، المتاجرة بالبضائع،
وتدفقات الأموال، وهجرة الناس، وقد بدأت التجارة قبل آلاف السنين ولكنها وصلت إلى حجم
وتنوع غير مسبوقين، وقد بدأت الدول النامية بالمشاركة في الاقتصاد العالمي في مجالات
غير تصدير المواد الخام، وانتقلت بالفعل إلى تصدير المواد المصنعة، وتصدير الخدمات.
ويسوق المؤلف الحجج
على أن المشهد الكئيب القائم ليس محتوما، إذ يمكن عمل شيء حيال ذلك، فيجب أن يدعم العالم
الأبطال الجادين في صراعهم مع الفقر والتخلف، ولكن علينا الانتظار حتى يخرج مما هو
فيه حاليا، وهذا لا يعني أن التنمية مستحيلة، ولكنها اليوم أكثر صعوبة، ويرى المؤلف
أن الاقتصادات العالمية التي دفعت التنمية الآسيوية إلى الأمام هي ذاتها سوف تعوق التنمية
في بلاد المليار نسمة ممن يعيشون تحت خط الفقر.
لقد تمخض نمو التجارة
العالمية عن نتائج رائعة لآسيا، ولكن بلاد المليار الذين يعيشون تحت خط الفقر لا تجد
في هذه العولمة فرصة للعون أو المشاركة، ويبدو أن العولمة فرضت عليها أن تظل أسيرة
اقتصاد الموارد الطبيعية وألا تنطلق إلى تنويع الصادرات.
تحتاج الدول الإفريقية
الفقيرة جدا إلى تدفقات رأس المال الخاص، والسبب في ذلك هو افتقار القوى العاملة إلى
معدات الإنتاج، الأمر الذي يؤدي إلى ضعف الإنتاج، وتدني الدخل نتيجة ذلك، والقوى العاملة
في هذه البلاد يمكنها عبر رأس المال الخاص المشاركة في الاقتصاد العالمي، وثمة قاعدة
اقتصادية أساسية تقول إنه في المجتمعات التي تفتقر إلى رؤوس الأموال تكون عائدات أرباح
رؤوس الأموال فيها مرتفعة، وهذا يجتذب رؤوس الأموال التي تتدفق عبر القطاع الخاص.
ولكن الرأسمالية
العالمية لا تعمل على هذا النحو، فالصين على سبيل المثال شديدة الجاذبية لرؤوس أموال
القطاع الخاص القادمة من خارج البلاد، وتتربع ماليزيا على قمة البلاد الأكثر استقطابا
لرؤوس الأموال الأجنبية، وأما المجال الوحيد الذي استقطب التمويل الأجنبي في بلاد المليار
نسمة الذين يعيشون تحت خط الفقر فهو مجال استخراج الموارد الطبيعية، ويتعلق جزء من
الإجابة تاريخيا بالحكم السيئ والسياسية الرديئة.
ثمة أسباب ثلاثة
في تقدير المؤلف للوقت الطويل الذي يحتاج إليه المستثمرون لتغيير آرائهم في الاستثمار
في بلاد المليار نسمة الذين يعيشون تحت خط الفقر. أولى تلك المشكلات أن البلاد التي
تطبق أقوى الإصلاحات انطلقت من واقع كان نتاجا لأسوأ حكم وأسوأ سياسات، والمشكلة الثانية
هي أن الاقتصاد القياسي في بلاد المليار نسمة الذين يعيشون تحت خط الفقر هو اقتصاد
صغير جدا، والنتيجة الطبيعية لذلك هي أن اقتصادا بهذا الحجم مجهول تماما بين أوساط
المستثمرين، واستقاء المعلومات مكلف حتى إن اقتصرت التكلفة على بذل شيء من الوقت، ومناطق
من هذا القبيل ليست ببساطة من الأهمية بحيث يزعج المستثمرون أنفسهم بالتفكير فيها،
والسبب الثالث هو أن تحسن الوضع السياسي غالبا ما يكون هشا وضعيفا، فيخفق كثير من التحولات
وهي في المهد. لقد اندمجت إفريقيا في الاقتصاد العالمي ولكن في الاتجاه الخاطئ، اتجاه
تهريب الثروات إلى الخارج، فقد بلغت الأموال النيجيرية المهربة إلى الخارج 100 مليار
دولار، وهكذا فقد اندمجت عبر تدفق أموالها إلى الخارج وليس عبر تدفق الأموال الخارجية
إليها، ولكن لم تقتصر مشاركتها في الاقتصاد العالمي على هجرة الأموال وإنما تعدت ذلك
إلى هجرة البشر، والجزء الأكبر من المهاجرين هم من أصحاب الشهادات العلمية والكفاءات
المهمة.
هل المطلوب تقديم
مساعدات من أجل إنقاذهم؟
لقد خاض العالم
غمار تجارب طبيعية على صعيد منح بلاد المليار نسمة الذين يعيشون تحت خط الفقر ما تدعم
به موازناتها، على سبيل المثال فقد تلقت نيجيريا مبالغ تصل إلى 280 مليار مقابل صادراتها
من النفط، وهو مبلغ يزيد كثيرا على أي موازنة دعم واقعي لأي بلد من بلاد المليار فقير،
بيد أن نيجيريا لا توضح إلا القليل من أوجه إنفاقها، وقد تدفق على البلاد الإفريقية
المصدرة للنفط عائدات ضخمة، ولكنها لم تؤد إلى نمو اقتصادي حقيقي، بل إنها لم تكن مختلفة
في مستوى نموها الاقتصادي عن الدول التي لا تملك النفط!
ولم تكن المساعدات
التي قدمت للدول الإفريقية فاعلية في مجال الأمن والاستقرار أو الإصلاح السياسي، وقد
حاولت بعض الدول الغنية تقديم مساعدات تقنية، وهي مساعدات ربما تكون ذات نفع على صعيد
تحول الدول المتخلفة، وبشكل عام فإن المؤلف يلاحظ أن الأموال غير مثمرة في أولى مراحل
الإصلاح، فهي تقلل احتمال تأمين الزخم المطلوب للإصلاح، بل إن المكاسب المالية التي
نتجت عن تحسن أسعار النفط والبن أدت إلى نتائج اقتصادية سيئة. المساعدات في كل الأحوال
ليست الإجابة الوحيدة عن مشكلات المليار نسمة الذين يعيشون تحت خط الفقر، ولكنها على
أية حال جزء من الحل وليست جزءا من المشكلة كما يراها البعض، ويكمن التحدي في رفدها
بأعمال أخرى متممة لها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق