من هـو يلمـاز كونـاي..!
اعداد : صلاح الدين بلال
لكل شعب عظيمه... و العظماء لا يولدون إلا في كل قرن مره، ومن عظماء الشعب الكردي يلماز كوناي .هذا النجم الذي انطفأ على جسد يتفجر بالبراكين والثورات عن عمر لم يتجاوز السابعة والأربعين ( أنا مشتاق لوطني وهذا يؤلمني أن افتقد الكفاح الحار الذي يغلي والذي يجري هناك الآن أريد أن أكون فيه وجزء منه ) ... في التاسع من شهر أيلول رحل كوناي وكأنه تقصد بذلك أن يجمع بهذا الشهر أكثر من ذكرى ليخلق من أيلول ملحمة لزمن الكرد وكردستان. كان كوناي سجل تاريخ شعبا بكامله كتبه بدمه على جدران سجون الأنظمة الفاشية في تركيا وسجل في تاريخها الأسود اكثر من ثمانية عشر عاما داخل زنزاناتها الحاقدة .لم يكن كوناي هذا المتمرد على مضطهديه ثوريا بالصدفة أو نتاج تناقض الضمير البرجوازي أو مثقفا متأففا .. ولحياة وتاريخ يلماز كوناي اكثر من جانب واكثر من عالم فهو سينمائي كما هو سياسي وهو إنسان مبدع كما هو أب بسيط وهنا سنتناول كوناي الإنسان وكوناي السينمائي.
انه من مواليد عام ١٩٣٨ حيث ولدته أمه ( غوللو ) في الأول من نيسان في قرية ينيجة في قضاء اضنة من أب فلاح فقير يدعى (حميد بوتون ) و لم يكن أبوه يدرك بان هذا الضوء الجديد سيكون يوما من الأيام عظيما لشعبه وشاغل لقلوب الكثير من الكادحين والكثير من محبيه وأصدقائه ورفاقه . بل رأى فيه الغريزة وطبيعة الحياة لينضم بذلك إلى أسرة اكتملت واجتمعت بافواهم السبعة الجائعة ليكونوا ويلا لأبيه الذي لا يملك غير قوته وزنده كعاملا موسميا زراعيا في سهول كردستان الخصبة والتي أكثرها ملكا لاغوات ومشايخ المقاطعات ومن يحكمهم . من هذا الواقع القاسي من هذا الجيش الكبير بفقرائه والذي يشكل شعب كردستان معظمه كان يلماز كوناي لهذا عندما تفتحت عينيه لم يشاهد سوى القهر والعذاب و الحرمان والاضطهاد ... والاغوات والدرك.. وحياة قاهرة من البؤس والبرد والأمراض والجهل .لهذا لم ينسى أبدا طفولته التي لم يشاهد منها شيء كما لم يشاهد آلاف غيره من أطفال كردستان الذين تمر عليهم أعياد الطفولة وكأنهم رجال لا يعنيهم ولا يشملهم ذلك وللحق فأطفال كردستان لم يدركوا طفولتهم لأنهم رجال عنيدون رغم ريشهم الصغيرة . و لأنهم يصمدون رغم كل أسباب الموت ليحيوا ويبنوا العالم الجديد ويلماز من طفولته لم ينسى أبدا كيف كان هو و غيره من الأطفال الفقراء و كيف مات صديق طفولته ( سلو ) الذي لم يستطيع الفقر رده ... وكيف كان أطفال الأغوات و الإقطاعيين في لباسهم حين يمرضون وحتى حين يلعبون.
مارس يلماز اكثر من مهنة ليكسب قوة عيشه ومصروفا لدراسته حيث اكمل الثانوية و سجل في جامعة اسطنبول في كلية الاقتصاد و في اسطنبول كان كوناي الثوري و الفنان المبدع. في اسطنبول تبلورت مفاهيم كوناي الثورية و الذي كان بطبيعته الطبقية الثورية حيث يدل على ذلك رفضه الطفولي في مرحلة بسيطة من حياته لأشكال التعسف الاجتماعي ضد طبقته و شعبه، حيث يدل اسمه جليا على ذلك ف(يلماز ) يعني ( القاسي ) و لقبه كان بوتون لكنه أختار كوناي وتعني ( المسكين ) .
وفي التحام القوة بالبساطة انطلق يلماز كوناي موهبة إبداعية وإصبعا ثوريا يشير إلى عيني عدوه في عزما لا يهاب، كسبباً لكل آلام شعبه وفقره واضطهاده. لهذا أحبته الجماهير وجعلته في أعلى القمم .وكانت صوره واسمه هي الأكثر ظهوراً في شوارع تركيا وبيوتها الفقيرة وفي صالات عرض الأفلام السينمائية وما أن وصل كوناي إلى اسطنبول حتى تحررت دمائه من عروقه ودبت فيه حركة أكثر توهجا فكان ورشة كاملة من العطاء. منها إصداره عام ١٩٥٨ مجلتين هما بوران ودوروك ويساهم في تحرير جريدة الحائط الجامعية، لكن ذلك لم يستمر طويلاً ولأسباب معروفة دوماً. كتب قصته الأولى الأعناق الملوية ١٩٦١ وكانت محطة ليزج في إحدى السجون بتهمة ( المثقف الأحمر ) .
الطريق
لم يكن السجن ليلماز جدران مغلقة بل عالم جديد من العمل واختراق الذات وانفعال الفكر والقهر والخيال والحب ليكتب من عالمه هذا اجمل سيمفونياته وأجمل ملاحمه فقد كتب رائعته (صالبا) عام ١٩٧٣ من سجن السليمة والتي طبعت داخل تركيا اكثر من سبع مرات وطبعت خارج تركيا بعدة لغات حيث طبعت في سوريا مرتين وكتب رواية (معادلات مع ثلاث غرباء ) وكتب مئات القصائد والمقالات كما كتب سيناريوهات اكثر من فيلم داخل السجن وكان أكثرها شهرة فيلم ( الرفيق. القطيع وآخرها فيلم يول، الطريق ).
انه ليحق لنا أن نسمي فن كوناي فن الحرية وليس بفن السجون لأنه كان يدرك حريته داخل السجن اكثر ما كان يحسها خارجه.
كان كوناي زائرا دائما للسجون ومنها كان يزداد عنادا اكثر في مواقفه ورؤيته للعالم وتصويرا لعلاقات مجتمعه. بدأ كوناي العمل السينمائي كعلاقة عمل يغطي مصاريفه الدراسية ولكنه رأى نفسه منغمسا في حب السينما لأنه كان أصلا مولعا بالشعر والقصة، وكان أول عمل له مع المخرج التركي التقدمي عاطف يلماز عام ١٩٥٨ ومنها بدأ يلماز يكتب ويمثل ويخرج حيث ظهر في أول عمل فني عام ١٩٥٨ في فيلم ( أبناء هذا الوطن ) .
لم يكن عمل يلماز السينمائي سهلا رغم قوله (وبالفعل تحقق ذلك بسهولة لم اكن أتوقعها ).
فقد كان محاصراً من فاشية العسكر والرقيب لفكره وعمله وقد عمل يلماز في أولى حياته أفلام تجاريه فاقت المائة اصبح من خلالها البطل الأول في بال الجماهير والبطل الأكثر طلبا من منتجي الأفلام السينمائية فمن يتعاقد مع يلماز كوناي على فيلم فهذا يعني ربحا أكيدا ومن أفلام تلك المرحلة. النهر الأحمر ، النعجة السوداء ، القاتل الضحية ، ملك الملوك... وغيرها ومن خلال ذلك تحققت ليلماز كوناي الأرضية القوية من الشهرة وشباك التذاكر والرأسمال الممكن ليستطيع أن يحقق ما يريد ويفرض نفسه على المنتجين.
وكان عام ١٩٦٦ تحولا كبيراً في حياة كوناي حيث ظهرت له أفلام من نوع جديد أرسى من خلالها مدرسة جديدة للسينما التركية والتي أخذت بعداً عالمياً وداخلياً وسرعان ما تأثر بها المنتجين المتخمين نتيجة طلبها من الجمهور فأخرج ، سيد خان ، الذئاب الجائعة ، رجل قبيح ، وكانت باكورة أعماله في تلك المرحلة فيلم (الأمل) الذي أوصل كوناي على جناحيه إلى أكبر المهرجانات العالمية حيث نال - ١٧ - جائزة على فيلمه وجذب إليه العيون والسمعة القوية بين فناني العالم.
كانت مقولة يلماز في تلك الفترة ( أنا لا أصنع سينما بل أكتفي ببيان الحياة الواقعية... لابد من إظهار الاستغلال الذي تتعرض له طبقتي ولصالح من ...) ورغم تضايق يلماز من شهرته التي بدأت الجماهير من خلالها تنظر إلى كوناي مخلصا ودليلا يخرجها من عالم البؤس والفاقة كان كوناي يتألم لعفوية الوعي الجماهيري فهو أراد في أفلامه أن يقول...(هذا الواقع وهذه طبقاته وشرائحه وهؤلاء هم المسببين فشقوا الطريق، ومزقوا صدور ظالميكم بفؤوسكم ومطارقكم واصنعوا حياتكم وتاريخكم الجديد) .
وكان لابد من نظرية فكانت الماركسية...(إنني استرشد بالماركسية كمبدأ ومنهج جمالي وفكري التزم به وأسير على هديه)...ولهذا بدأ يخرج أفلام اكثر قوة وذلك بعد عام ١٩٧٢ حيث اخرج أفلام ... ( الآلام المرثية ... غدا هو اليوم الآخر .. الأب .. ) ليدخل السجن من جديد ولكنه لم يتوقف عن العمل أبداً حيث ضربت إحدى أفلامه أرقاماً قياسية في إنجازها...أربعة عشر يوما ... كان كوناي فكرا لا يتوقف وأحاسيس لا تنضب وجسدا لا يتعب فهو يريد الوصول إلى بغيته بأسرع وقت فاخرج ( القطيع ) ليقول القليل عن الكثير من قضايا شعبه الفقير في عالم محروم حتى من ذكر اسمه .. أتراك الجبال ..حيث رسم كوناي مأساة هذا الشعب المستمرة وفجرها على يد بيرفان عندما يخنق سمسار الخراف ليقول أن هذا الشعب عندما سينفجر سيجرف معه من يقف في وجهه ولن يفلت أحد من عدله ومن أصابعه. وفي فيلم ...(يول ).ماذا أراد أن يقول كوناي أين الطريق .. أين السجن الحقيقي . هل هو السجن المحاط بالهراوات والأسلحة والأسلاك الشائكة أم هو هذا البلد الكبير المحاط بنقاط الحدود وبالبحار المسمى تركيا.
ماذا أراد أن يقول كوناي ... أراد أن يكتب لنا وصيته ... أو أن يرسم لنا عالما يجب مسحه وإزالته .. ماذا أراد أن يقول كوناي... هل هذا النورس الجريح أراد أن يعطينا صدره وقلبه لكي لا ننسى الطريق ... ورحل يلماز هذا الإله الجميل رحل...هذا القزح الملون غاب في يوم لم يكن غائما أوممطرا في كردستان بل ممطرا في ديار الغربة في إحدى مشافي باريس . هل احتج قلب كوناي عن الحياة وهو بعيد عن الوطن...بعدما كان يردد في أيامه الأخيرة ... أيتها الطيور حطمي النوافذ إلى الحرية...هل نحن الطيور... والأنظمة الغاصبة هي النوافذ ... وكردستان هي الحرية ... عندما سؤل يلماز عن الغربة قال... أن المنفى هو تبديل شكل من أشكال السجن بآخر... في أي عالم أنت أتيت أيها القاسي المسكين... يلماز كوناي ... لتموت وأنت متألقا بشعرك الأبيض كقمة جبل أكري وهكاري. يلماز في آخر أيامه لم يكن يملك شيئا لا مال ولا جواز سفر بعد أن أسقطت عنه الفاشية التركية حق المواطنة.
يلماز في آخر أيامه كتب وصيته ووهب جسده للمجمع الكردي في باريس ليتصرف بها...وهب نفسه لبقعة صغيرة وبعيدة عن شمس الوطن يتردد فيها يوميا اسم كردستان على الصفحات والأفواه حيث كان حلمه قبل أن يغمض عينيه أن يصنع فيلما عن تاريخ كردستان وعن نضال شعب كردستان ضد مستعمريه . وفي سؤال آخر له عن كردستان موحدة أهي حقيقة أم حلم طوباوي صعب التحقيق .
قال كوناي بألم وثقة : (سيكون ذلك لو اعتمد الأكراد على حسن نية كذا الأنظمة الغاصبة لكردستان ولهذا السبب بالذات لا خيار أمام الأكراد سوى الاعتماد على قواهم الذاتية. ) يلماز كوناي كتب من داخل قلوبنا من داخل دمائنا وبهم عاش وعندما ابتعد لم يستطيع الحياة فتوقف قلبه الصغير ليترك لنا مئات الأسئلة وآلاف الدموع.
توفي يلماز كوناي يوم الأحد في التاسع من أيلول سنة1984 في أحد مشافي باريس وقد وفد كبار رجالات الأدب والفكر والفن من كل المدن الفرنسية والأوربية لتشييعه الذي جرى في يوم الخميس/13/أيلول،وسارت في مقدمة المشيعين عقيلة الرئيس الفرنسي /فرانسوا ميتران/ممثلة لرئيس الجمهورية ،وشارك وزيرة الثقافة الفرنسية وعدد من الوزراء المعنيين ووفود الفن الشعبية وجماهير الكرد المتواجد في فرنسا وألمانية الغربية.....،ودفن في مقبرة العظماء (بيير لاشنز)بباريس بعد مراسيم التأبين الرسمية والشعبية .
أفلام يلماز كوناي
المرحلة التجارية
١. أبناء هذا الوطن.
٢. زمن التبغ.
٣. ملك المحتالين.
٤. عشرة رجال لا يخافون.
٥. الوعل.
٦. قصة حب قرة جه اوغلان.
٧. البلاء العذب.
٨. الدفتر البني.
٩. أعيش كما مت.
١٠. الملك البشع.
١١. كان هناك دم في الشارع .
١٢. البطل يكون جريحا.
١٣ .النسر الجريح.
١٤. عارف من بالاط.
١٥. النهر الأحمر.
١٦. النعجه السوداء.
١٧. قوزان أوغلوا.
١٨. القاتل الضحيه.
١٩. قاسم باشا.
٢٠. صديق. الكونياك.
٢١. ملك الملوك.
٢٢. فرس امرأة وقطعة سلاح.
٢٣. أنا لا أتأثر بالرصاص.
٢٤. أنا اسميه كريم.
٢٥. نوري البرغوث.
المرحلة الجادة
١. سيد خان
٢. الذئاب الجائعة
٣. رجل قبيح
٤. الأمل
٥. الهاربون
٦. الفقراء
٧. المضاربون
٨. غدا هو اليوم الأخير
٩. اليائسون
١٠. العلقم
١١. المرثية
١٢. الأب
١٣. الرفيق
١٤. القلق
١٥. الكابوس
١٦. إجازة
١٧. لا بد من ذلك ذات يوم
١٨. العدو
١٩. القطيع
٢٠. الطريق
٢١. الهاربون
٢٢. الجدار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق